«ياما كان فى نفسي» تلك الجملة ظل يرددها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو طيلة الأشهر الثمانى الماضية..نعم نتنياهو كان نفسه يستغل عملية «طوفان الأقصي» لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة مستغلا تعاطف ودعم وتأييد ومساندة أمريكا وأوروبا.. وعلى مدى ثمانية أشهر مارس نتنياهو ومجلس حربه وجيش الاحتلال أبشع المجازر ضد الشعب الفلسطينى من قتل وتشريد وتجويع وهدم وتدمير حتى أصبح قطاع غزة غير قابل للحياة ورغم كل ذلك فشل نتنياهو فى تحقيق أى هدف من أهداف هذا العدوان الهمجى سواء الأهداف المعلنة وهى القضاء على حركة حماس وتحرير الأسرى أو غير المعلنة وهى تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين والسبب هو موقف مصر التاريخى التى كشفت منذ البداية نوايا إسرائيل الخبيثة وأعلنت رفضها تصفية القضية وتهجير الفلسطينيين وحددت الخط الأحمر.
أقول لمن ينتقد موقف مصر من أحداث غزة الدامية ويحاول دفعها دفعا للدخول فى مواجهة عسكرية مع إسرائيل أنه لولا مصر لتخلص نتنياهو من القضية الفلسطينية ونجح فى تهجير الفلسطينيين كما أن الحروب لن تحل المشكلة بل سوف تزيدها تعقيدا فضلا عن أن دور مصر كوسيط منحاز لحقوق الشعب الفلسطينى المشروعة أهم كثيراً من إشعال المنطقة فى حروب دامية لن يكون لها أول ولا آخر.. نعم وجود مصر كوسيط يحبط كافة المخططات الإسرائيلية كما أنه ليس من مصلحة إسرائيل الدخول فى صراع وعداء مع مصر يؤدى فى النهاية إلى نسف أقدم معاهدة سلام مع أكبر وأهم دولة عربية فى المنطقة.
وأمام عجز نتنياهو عن تحقيق أى نصر وأمام الضغوط التى تحيط به داخليا وخارجيا وأمام موقف مصر الثابت والمنيع تحاول أمريكا الأن انتشاله من مستنقع غزة الذى غرق فيه بطرح خارطة طريق أعلنها الرئيس الأمريكى جو بايدن تتضمن وقفا دائما وليس مؤقتا لإطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق السكنية وعودة الفلسطينيين إلى منازلهم ولا أدرى أين هى المنازل التى يقصدها بايدن وقد تم تدميرها وأخيرا إعادة إعمار غزة.
حقا ..سبحان مغير الأحوال.. أمريكا التى استخدمت «الفيتو» أكثر من مرة فى مجلس الأمن لإحباط أى مشروع قرار لوقف النار فى غزة هى نفسها التى تروج اليوم لمبادرة لوقف الحرب بل وأعلنت أنها ستلجأ لمجلس الأمن للحصول على موافقة لهذه المبادرة خاصة وأن إسرائيل كما قال بايدن مستعدة لقبولها بينما حركة حماس حسب تعبيره هى من تقف عقبة أمام وقف هذه الحرب.
إن التحول الجذرى فى الموقف الأمريكى إن دل إنما يدل على أن واشنطن باتت على يقين أنه مهما طال أمد الحرب الإسرائيلية على غزة لن تحقق أى هدف من أهدافها وأن التفاوض هو الطريق الوحيد الذى يضمن أمن إسرائيل والأهم أن بايدن يحاول إنقاذ نفسه ليفوز بالانتخابات الرئاسية التى على الأبواب وأيضا إنقاذ إسرائيل من جنون نتنياهو .