أنا واثق تماماً بأن دماغك مع قراءة العنوان سوف يأخذك إلى غادة عبدالرازق وقد لعبت دور الحاجة زهرة مع أزواجها الخمسة وسوف تسأل: وماذا جمعها بفؤاد المهندس؟.. والاجابة سوف تدهشك..
لأن الحاجة المقصودة هى الفنانة القديرة ملك الجمل صاحبة الروائع فى أفلام الأبيض والأسود والتى اشتهرت بشخصيتها المرعبة وهى خالتى بمبه فى البرنامج الاذاعى ربات البيوت وقد تخرجت فى كلية الآداب قسم اللغة الانجليزية ثم درست التمثيل وانضمت إلى فرقة يوسف بك وهبى.. وسافرت معه إلى فرنسا.. وهى صاحبة اكثر من 150 عملاً بين السينما والمسرح والتليفزيون اشهرها الشموع السوداء/ الطريق المسدود/ خد الجميل / أم العروسة / شفيقة ومتولى و»زهرة».. كانت تحلم بالسفر إلى بيت الله الحرام والطواف حول الكعبة المشرفة وزيارة مقام المصطفى صلى الله عليه وسلم فى رحلة العمر التى يحلم بها كل مسلم وقد جمعت لذلك القرش على القرش حتى امتلكت 300 جنيه كانت كفيلة فى نهاية الخمسينيات لكى تحقق لها هذا الحلم وتأتى بالهدايا لمن تحب بل ويتبقى معها نصف المبلغ وربما اكثر فهل تحتمل أعصابك أن أقول لك بأن تذكرة شركة الطيران من القاهرة إلى جدة ثم إلى المدينة المنورة بـ 75 جنيهاً والبواخر أقل كثيراً.
المهم أن زهرة جاء إليها من يطلب منها أن تشاركه فى تجارة ستربح منها الكثير ووقتها تكون قد وفرت تكاليف رحلة الحج.. واحتفظت بالخميرة كما هى.. وسال لعابها وأخذ الفلوس وطار ومعه الحلم العظيم.. لكن الله اراد أن يكافئ هذه السيدة المقطوعة من شجرة إلا من ابن اختها الذى كان سيرافقها كمحرم.. وجاء الفرج عندما تم تعيين هذا الشاب «فؤاد المهندس» بشركة الطيران التى منحته تذكرتين إلى الأراضى المقدسة.. وتحقق حلم زهرة فى أوبريت غنائى قدمته الاذاعة من تأليف إبراهيم رجب وألحان وغناء أحمد عبدالقادر صاحب أغنية «وحوى يا وحوى» وهو مطرب وملحن له وزنه وانتاجه الغزير.. وقد مثلت فى الاوبريت «ملكة الكلام» آمال فهمى.. وكانت قد التحقت بالاذاعة عام 1951 واشتهرت بتقديم برنامج «على الناصية» وحاورت الملوك والرؤساء وغطت الأحداث العالمية وقابلت فى الجزائر رئيسها أحمد بن بيلا ثم هوارى بومدين ورائد الفضاء جاجرين وظلت تقدم برنامجها بشكل متواصل إلى ما قبل رحيلها عام 2018 باشهر قليلة.. وكانت قد بلغت من العمر ما يقارب التسعين.. وظلت حريصة على تقديم البرنامج من الشارع.. وقد سجلت معها حلقة فى سيارتها البيجو القديمة عند النادى الأهلى سنة 2002 لكى تعطى المصداقية باجواء الشرع نجحت أن تتبنى العديد من القضايا المهمة الأمر الذى أدى إلى ابعادها عن الاذاعة بسبب انتقادها لرئيس الوزراء على صبرى الأسبق لأنه قام بتوصيل الكهرباء إلى قريته متجاوزاً بعض القرى الاخرى.. واعادها الرئيس السادات إلى الاذاعة.. وكرمها الرئيس عبدالناصر.. عندما تم اختيارها عام 1960 كواحدة من أهم الشخصيات.
وقد قدمت الفوازير بالاذاعة مع بيرم التونسى وصلاح جاهين وبخيت بيومى لمدة تزيد على 20 سنة بموضوعات تجمع المعلومة والتسلية وقد شارك فى أوبريت الحاجة زهرة.. زوج آمال .. رائد الدراما الاذاعية محمود علوان الذى عرفناه ممثلاً في أفلام عديدة بملامحه المميزة.
(شكراً بطيشة)
>> وقد أعاد الاعلامى الكبير عمر بطيشة تقديم الأوبريت الذى يرصد رحلة الحج.. وأثار الشجون حول غياب هذه النوعية من الأعمال التى قدمتها الأغنية أبرز من الفيلم والمسلسل وقد جاء الحج فيها عابراً بدون الدخول فى تفاصيل هذه الرحلة المقدسة وما تحفل به من مشاعر روحانية وفى ذلك يقف الفيلم المغربى «الرحلة الكبرى» للمخرج إسماعيل فروجى على رأس هذه الأعمال وأهمها.. رغم تمويله الأوروبى.. ويحكى عن رجل عربى يعيش فى فرنسا ويقرر السفر إلى مكة.. مستخدما سيارته القديمة قاطعاً كل هذه المسافة لأنه لا يملك المال للطيران والفنادق.. وقد أخذ ابنه الفرنسى الذى لا يعرف العربية رغم أنفه لكى يقود السيارة فى طريق يبدأ من فرنسا ثم يتجه إلى بلغاريا ومنها إلى تركيا ثم إلى الأردن دخولاً إلى السعودية وهى مسافة تزيد على 4 الاف كيلومتر.. وفيها الكثير من المفاجآت المدهشة.. ويموت الأب فى مكة ويتم دفنه بها.. ويعيش الابن اجواء الرحلة الروحانية ويدرك قيمتها وقد صورت بعض الأفلام الوثائقية اركان الحج من زوايا عديدة.. لكن الدراما شبه غائبة عن تصوير أحلام الناس خاصة البسطاء.. والله اعلم كيف اقتصدوا ودبروا حتى تتاح لهم فرصة تحقيق الحلم تماماً كما فعلت الحاجة زهرة وغالبيتهم لم يخرج بعيداً عن قريته أو مدينته إلا نادراً.. انها حكايات لكن الأغنية عوضت إلى حد ما هذا الغياب وارتبط موسم الحج.. بحنجرة ليلى مراد الذهبية وأغنيتها الخالدة يارايحين للنبى الغالى «صلى الله عليه وسلم».
وقد غنتها فى سياق فيلم «بنت الأكابر» كلمات أبوالسعود الإبيارى وألحان رياض السنباطى.. ولأنها فى اطار درامى عاشت إلى وقتنا هذا وبلغت من العمر ما يقترب من المائه عام..
ولا تنافسها إلا أغنية أم كلثوم «إلى عرفات الله» من اشعار أحمد شوقى كما غنت كلمات بيرم التونسى «القلب يعشق كل جميل» ولحنها السنباطى ايضا ورغم كل هذه السنوات.. إلا أن الاغانى لم تفلح فى الصمود أمام الروائع التى اصبحت راسخة فى الوجدان العربى والإسلامى.. وإن كانت هناك محاولات أبرزها ما قدمه وائل جسار «حج حجيج».. ولا يمكن أن نتجاهل الغناء الشعبى فى الاحتفال بوداع الحاج أو استقباله.. وقد كانت جدران البيوت فى القرى والاحياء الشعبية تتزين بلوحات جدارية عن الحج.
ومع انتشار الفضائيات ووسائل الاتصال.. تظل رحلة الحج بما يحيط بها وبما فيها من جلال وروحانيات شبه غائبه.. عن أمة الإسلام التى تنفق الملايين على أفلام ومسلسلات البلطجة والشعوذة والدم والانحراف.. ولا حول ولا قوة إلا بالله وهناك نسأل أين اتحاد الاذاعات الإسلامية بعيداً عن اجتماعات الغرف المغلقة التى تستنزف موارده بلا جدوى.. والاجيال الجديدة.. بل والغرب الذى يعادى الإسلام دون أن يعرفه.. يحتاج أن نقول له بالصورة نحن دين التسامح والتعايش وانظر إلى حشود المسلمين فى ملابسهم البيضاء وهى اشبه بالاكفان عند وقفة عرفات وستعرف بنفسك.