وسط أجواء شديدة البرودة تصل أحيانا لحد الزمهرير نجلس فى حول المدفأة نقرأ ونستمع ونشاهد ما يدور حول العالم من أحداث ولا نكاد نلاحقها، فالأحداث تتصاعد والصراعات تمتد والأزمات تولد مزيدا من الأزمات والمجتمع الدولى ومؤسساته ودوله وحكوماته يقف فى حالة عجز تاريخى عن مواجهة هذا الكم غير المسبوق من التحديات، وسط هذه الأجواء المشحونة بالتوتر والغضب والخوف والقلق تمر أمامنا ونحن جالسون حول تلك المدفأة الملعونة التى تسلب جزءا من وعينا وأمام أعيننا دون أن نتحرك ودون اى مقاومة، وكأن هذه الموجات التى تحمل إلينا الدفء الذى ننشده تحمل فى ذات الوقت مخدرا يعطل لدينا قرون الاستشعار حتى عن قرب، وكما الضفادع التى تستمتع بتدفئة المياه فى مراحل ما قبل الغليان وهى لا تعلم أنها هالكة لا محالة، بالأمس تابعنا ونحن جالسون حول المدفأة اللعينة مقالين فى غاية الخطورة لمن يريد ان يفهم كيف تدار الأمور فى هذا العالم، المقال الأول كتبه توماس فريدمان فى نيويورك تايمز وكان خلاصته ان ايران هى سبب مشاكل الشرق الأوسط ويجب التعامل معها على أساس أنها المشكلة وليس الحل، وبدون الدخول فى تفاصيل المقال قال الرجل الذى يعد عاكسا لرؤية دوائر صنع القرار فى الولايات المتحدة «ليس هناك حل لمواجهة وهزيمة إيران إلا استخدام الشباب الإيرانى للقيام بمظاهرات واحتجاجات تضغط على هذا النظام وتسقطه» أما التقرير الثانى فكان في»الفايننشال تايمز البريطانية» حول الخلاف بين المجر والاتحاد الأوروبى الذى خطط ان يمنح أوكرانيا مبلغ 50 مليار يورو مساعدات لكن المجر قررت الاعتراض من خلال استخدام حق النقض الفيتو والذى يعتبر جزءا من آليات اتخاذ القرار فى دول الاتحاد الأوروبي، وهنا تم تسريب وثيقة سرية اعدها الاتحاد الأوروبى لمعاقبة المجر والضغط عليها لتمرير المشروع التمويلى لأوكرانيا، تضم الوثيقة خطة لتدمير الاقتصاد المجرى من خلال ضرب العملة وإيقاف عمليات التمويل والضغط على المستثمرين الأوروبيين لوقف وسحب استثماراتهم من المجر، كذلك الضغط على مؤسسات التمويل الدولية لتخفيض درجات الملاءة الائتمانية للمجر وكذلك بث حالة من الخوف داخل الأسواق والمصارف مما يرفع من نسب التضخم والبطالة، الخطة تهدف إلى تدمير الاقتصاد المجرى عقابا على استخدام الفيتو، وايضاً ربما تكون إشارة تهديدية واضحة وصريحة لفيكتور أوربان رئيس الوزراء المجرى الموالى لروسيا، هذين المقالين أجابا بوضوح على الكثير من التساؤلات حوّل ما جرى فى 2011 فى المنطقة وما يجرى فى 2024 فى مصر.