في لحظة إعتبرها كثيرون إنتصارًا للأمل قبل أن تكون تتويجًا لمسيرة مهنية أعلن صندوق نوبل للإستدامة فوز الدكتورة ياسمين فؤاد المصرية ووكيلة السكرتير العام وأمينة تنفيذية لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD) بـ ميدالية نوبل للإستدامة لعام 2025 لتصبح واحدة من أبرز الشخصيات العالمية التي أعادت تعريف مفهوم القيادة البيئية بمنظور إنساني شامل.
هذا التكريم لم يأتِ من فراغ فمسيرة تمتد لأكثر من 26 عامًا إستطاعت خلالها فؤاد أن تدمج العلم بالسياسات والسياسات بحياة الناس والقرارات بالوجدان الإنساني فمنذ أبحاثها الأولى في النظم البيئية مرورًا بتجربتها الثرية كوزيرة للبيئة في مصر وصولًا إلى دورها الدولي الحالي ظلّت ثابتة على قناعة واحدة: أن حماية الأرض تبدأ من حماية الإنسان.
تظل اللحظة التي ترويها بنفسها خلال مؤتمر التنوع البيولوجي عام 2018 عالقة في الأذهان حين دخل أحد أطفالها القاعة ووضع يده على المطرقة وسط تصفيق الحاضرين. تقول فؤاد: “أدركت وقتها أننا نتفاوض على نصوص بينما أطفالنا يتفاوضون على مستقبلهم.”
هذه الجملة وحدها تلخص فلسفتها… قيادة تُصنع بقلب أم وعقل عالمة ورؤية دولية تسعى لعدالة مناخية تشمل الجميع.
على الأرض كان تأثيرها واضحًا في مصر فمنظومة إدارة المخلفات الحديثة، وتطوير المحميات الطبيعية ودمج الإستدامة في الخطط الوطنية وخلق آلاف الوظائف الخضراء وصولًا لتعزيز مشاركة المرأة والشباب في العمل البيئي… كلها محطات صنعت بصمتها الخاصة التي تحولت إلى نماذج تُحتذى عالميًا.
لا يتوقف حضورها الإنساني عند حدود السياسات فعلى مدار سنوات عملت مباشرة مع المجتمعات الأكثر هشاشة… النساء اللواتي يعِدن بناء حياتهن بعد الكوارث الشباب الباحثين عن عدالة مناخية والرعاة والمزارعين الذين يتعاملون يوميًا مع ندرة المياه وتدهور الأراضي كانت دائمًا تؤمن أن صوت هؤلاء يجب أن ينتقل إلى طاولات التفاوض الدولية.
تأتي ميدالية نوبل اليوم كإحتفاء عربي وأفريقي بما تمثله من نموذج لقيادة نسائية إستثنائية في عالم يتسارع فيه الخطر من موجات الجفاف إلى تدهور الأراضي وتهديد الأمن الغذائي ورغم كل التحديات تحمل رسالتها دومًا مزيجًا من التفاؤل والمسؤولية الإستدامة ليست ملفًا تقنيًا بل قضية كرامة وحق كل طفل في مستقبل آمن.
إهداءً يحمل روحها وقيمها قدّمت فؤاد الميدالية إلى “جمهورية مصر العربية وللنساء اللواتي يبنين مجتمعاتهن من جديد وللشباب الرافضين لليأس وللعاملين الذين يحولون الندرة إلى إبداع وللأسر التي تختار الأمل كل يوم.”
مع إقتراب إنعقاد قمة الأطراف لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (COP17) في منغوليا يأتي التكريم ليؤكد حاجة العالم إلى قادة يجمعون بين العلم والقيم الإنسانية… بين القوة والرّحمة… بين الرؤية والإيمان العميق بقدرة البشر على صناعة التغيير.
هكذا تصبح ميدالية نوبل للإستدامة أكثر من جائزة…
تصبح شهادة على أن الأمل ما زال قادرًا على قيادة العالم نحو مستقبل أفضل.








