بينما تهدد أوروبا بفرض عقوبات على اسرائيل عقاباً على ما ترتكبه من جرائم حرب وإبادة جماعية بحق المدنيين الفلسطينيين فى غزة منذ اكثر من ثمانية اشهر.. فوجئنا بتصرفات واجراءات غير أخلاقية وغير إنسانية داخل مجلس النواب الامريكى لحماية سفاح القرن الواحد والعشرين نتنياهو.. الغرفة الأولى فى الكونجرس الامريكى تتبنى مشروع قانون يعاقب المحكمة الجنائية الدولية بسبب تطبيقها للقانون الدولى واعتزامها إصدار قرارات باعتقال نتنياهو ووزير دفاعه المجرم الثانى جالانت.. ورغم ان القانون أقره مجلس النواب الامريكى بأغلبية 247 نائباً معظمهم من الجمهوريين مقابل اعتراض 155 نائباً معظمهم من الديمقراطيين.. إلا أنه يظل حبراً على ورق مادام مجلس الشيوخ لم يوافق عليه.. ومادام الرئيس الأمريكى لم يعتمده!!
لكن خطورة قانون النواب الامريكى المزعوم تكمن فى انه يمثل تحدياً صارخاً للقانون الدولى وانتهاكا خطيراً لميثاق الامم المتحدة وفى نفس الوقت يعرى «ماما أمريكا» تماماً ويجردها من رداء زعيمة العالم الحر وراعية حقوق الانسان وقديسة الحريات فى العصر المعاصر.. الأخطر من ذلك كله تلك البجاحة الفاضحة التى خرج بها نص القانون عندما برره رئيس مجلس النواب بأنه يحمى حلفاء واشنطن من ان تطولهم يد الجنائية الدولية فى إشارة صريحة وواضحة لحليف واشنطن المدلل نتنياهو وباقى أفراد عصابة الدم التى تحكم قبضتها حتى الآن على الأوضاع فى الكيان الصهيونى المحتل والغاصب للأراضى العربية الفلسطينية.. اكثر من ذلك قالوا انهم لو تركوا رئيس المحكمة الجنائية الدولية وقضاة المحكمة ليصدروا قرارهم باعتقال نتنياهو ووجالانت اليوم.. فلن يتورعوا غدا من اصدار عقوبات مماثلة بحق مسئولين وسياسيين امريكيين وهنا «بيت القصيد».. واشنطن تريد ان تحصن نفسها وساستها وقادتها من اى عقوبات جنائية دولية فى المستقبل إذا ما اقدموا على احتلال دولة وتعذيب شعبها وقتل اطفالها ونسائها مثلما ترتكب اسرائيل حالياً من جرائم بشعة فى غزة.
هذه ليست المرة الاولى التى تقف فيها واشنطن ضد الارادة الدولية ممثلة فى «الجنائية الدولية».. فعلتها امريكا ايضاً فى فترة حكم ترامب عندما شرع قضاة المحكمة فى التحقيق فى جرائم حرب ارتكبها الجنود الامريكان بتعذيب المعتقلين فى افغانستان 2016.. عندها فرضت أمريكا عقوبات مشددة على القضاة والمدعين العاميين بالمحكمة وحظرت حساباتهم المصرفية.. ولم تتحسن علاقة واشنطن بالمحكمة الأممية الدولية إلا برحيل ترامب وقدوم بايدن الذى أصدر مرسوماً بالغاء العقوبات السابقة.. وقد صفق بايدن كثيراً لقرار المحكمة ذاتها باصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسى بوتين عندما دخل الأراضى الأوكرانية.. وهنا يثور السؤال: هل يوافق بايدن على القانون المشبوه لمجلس النواب الامريكى إذا ما افترضنا جدلاً موافقة مجلس الشيوخ؟! سؤال مهم سيظل مطروحاً خلال الايام القادمة إلى أن يحسم «الشيوخ الامريكي» قراراه إما برفض القانون المعيب والقائه فى سلسلة القمامة.. أو يعتمده ايضاً ويلقى بكرة النار الملتهبة فى البيت الابيض.. وتحديداً مكتب الرئيس الامريكى الذى سيجد نفسه مضطراً لاتخاذ اصعب قرار فى تاريخه.. بل وفى تاريخ أمريكا زعيمة الحريات فى العالم!!
وحتى تتضح ملامح الصورة ويتبلور الموقف الامريكى البرلمانى الرئاسى تجاه الجنائية الدولية.. نطرح سؤالاً آخر: ما الذى دفع البرلمان الامريكى للاقدام على خطوة غير اخلاقية اعتبرها الخبراء والمحللون «وصمة عار» فى تاريخ الانسانية و»سبة» فى وجه «ماما أمريكا» تلطخ ثوبها بدماء الفلسطينيين الابرياء فى غزة؟ هل هو اقرار امريكى جديد بهزيمة اسرائيل فى حربها ضد المقاومة الفلسطينية رغم الفارق الرهيب بين الطرفين المتحاربين فى العدة والعداد والسلاح والاموال؟ هل نتنياهو بات فى حاجة إلى دعم برلمانى وسياسى أمريكى اكثر من حاجته للسلاح الامريكي.. وهل هذه هى الورقة الاخيرة فى تاريخ نتنياهو الأسود.. وحتى إذا ما ذهب النتن ياهو إلى واشنطن واستقبله الكونجرس الامريكى استقبال الفاتحين المنتصرين.. هل سيغير هذا من هزيمته النكراء على الأرض فى غزة وهل سيجمل ذلك من صورة «ماما أمريكا» فى انظار شعوب العالم وهى اكبر داعم لاسرائيل فى حربها الدموية البربرية بحق اطفال ونساء غزة؟