جولة: نفيسة مصطفي
منذ عقود طويله تميزت قرية شما التابعة لمركز اشمون بمحافظة المنوفية بصناعة السيرما حتى أصبحت ملكة متوجة على عرش الصناعة ومركزا رئيسيا فى فن تطريز الزخارف الإسلامية ومحاكاة كسوة الكعبة المشرفة محليا وعالميا… ولم تتوقف شهرة القرية عند حدود مصر بل امتدت إلى جميع الدول العربية والإسلامية، مما جذب رجال الأعمال لاستثمار أموالهم فى استيراد وتصدير السيرما..منذ ستينات القرن الماضى تعلمت أسر القرية المهنة وتوارثها الأجداد والأبناء والأباء وأصبحت مثالا يحتذى به فى العمل الجماعى، والأطفال تعلموا أسرارها منذ صغرهم والنساء يعملن فى منازلهن ويتقن العمل والورش فى شما تصنع نماذج المحاكاة قطع من كسوة الكعبة والأبواب والأحزمة وجميع الزخارف الإسلامية والتي تعتمد على استخدام خيوط من النحاس والفضة لتزيين الأقمشة، واليوم منتجاتها تغزو الأسواق العالمية والخليجية فهى الأولى بلا منافس ومنتجاتها تزين كافة الدول حتى أصبحت سفيرا لمصر.
خلال جولة «الجمهورية» مع فنانين السيرما داخل الورش مجموعة حرفيين يجلسون على منضدة كبيرة عليها قطعة قماش سوداء كبيرة لكسوة الكعبة وهم يمسكون الخيط والابر ويعملون بكل ارتياح وخفة فائقة وأناملهم تنسج الخيوط وتطرز كسوة الكعبة المشرفة وزخارف إسلامية أخرى.
ماهر نميش صاحب مصنع يقول إن مهنة السيرما دخلت القرية على يد الحاج عطية أحد أبنائها والذى تعلمها فى منطقة الحسين بالقاهرة وبعد أن قامت المملكة العربية السعودية بإنشاء دار كسوة الكعبة فى ستينيات القرن الماضى وتوقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة منذ عام 1962 حضر وعَلَّم أبناء القرية أصول المهنة حتى أصبحت داخل كل بيت وتعلمتها كافة الفئات العمرية وبدأت المهنة فى الانتشار بالقرية وتم فتح ورشاً كبيرة وعملت السيدات فى منازلهن فى صناعة لوحات كبيرة تحمل الآيات القرآنية وأسماء الله الحسنى وتقليد كسوة الكعبة المشرفة القديمة والحديثة والستائر ومنتجات أخرى ذات السحر التاريخي بالإضافة إلى عمل اللوحات القيمة للقصور والمنازل، مشيرا إلى أن تسمية السيرما تعود إلى الأسلاك المعدنية التى تصنع منها.. والتى تصنع فى حارة اليهود بالقاهرة .. أما القماش فيتم استيراده من دار الكسوة بمكة المكرمة ومنتجات السيرما تصدر إلى كافة الدول العربية والإسلامية وفى الأسواق العالمية والعربية، ويتم تصدير نموذج كسوة الكعبة الحديث إلى الدول العربية خاصة السعودية والإمارات أما النموذج العثماني القديم للكعبة فيتم تصديره إلى تركيا، موضحا أنه تعلم المهنة مع شقيقه منذ حوالى 25 عاماً إلى جانب دراسته وكان يبدأ يومه الدراسى وبعد الانتهاء يذهب إلى الورش للعمل بها وفى بادئ الأمر تعلم مسك الإبرة ولف الأسلاك على العصاية حتى أصبح أسطي وكانت له حافز فى الاستمرار بالتعليم وحصل على بكالوريوس تجارة ولم يكتف فى مراحل التعليم إلى هذا الحد بل استطاع أيضا الحصول على دبلوم فى إدارة الأعمال، نميش يشرح فن الخشخانة وهو الذى يستخدم فيه أسلاك معدنية يتم استيرادها من الهند لتزيين الاقمشة وتطريزها يدويا بالآيات القرآنية وأسماء الله الحسنى والستائر وجميع الزخارف الإسلامية، ويؤكد أن ما يميز العمل اليدوى عن المصنوعات المميكنة الملمس والتطريز والبروز فائقة الدقة فى الإنتاج اليدوى يكشف نميش أن سعر المتر فى الخشخانة يبدأ من 300 جنيه وعلى حسب الطلب والجودة وخامة اللوحة ويتميز صانعها بالإبداع، أما القصب فيتم استيراده من اليابان والصين وهناك نوع مصرى، والقماش يتم استيراده من الصين وكوريا، موضحا أن مهنة السيرما تحارب البطالة وأغلبية الشباب وجميع الفئات العمرية والنساء فى القرية يعملون بها منهم عمالة ثابته وهناك من يعملون فى وظائف أخرى ويعملون فى السيرما لتحسين دخولهم فهى مهنة أهل القرية، مطالبا بإنشاء مجمع حرفى لصناعة السيرما بالقرية وتسهيل المنح بتحويلات ميسرة وفوائد بسيطة للحفاظ على المهنة من الاندثار.
أم بسملة تنسج بالسلك لوحة فنية لباب الكعبة تبدأ عملها من الساعة 7 صباحا وحتى 4 عصراً «بالخشخانه» وتصفها بأنها «مهنة حلوة تحب اللى بيحبها» تعلمتها من 15 عاما بعد ما حصلت على الشهادة الاعدادية وتزوجت وظللت أعمل بها وحاليا أكتب سورة الإخلاص، مشيرة إلى أنه بعدما يقوم الخطاط بكتابة الآية القرآنية تبدأ فى الطباعة وتأتى المرحلة التالية باستخدام أسلاك النحاس المطلى بالفضة فى صناعة السيرما.
تلتقط منها طرف الحديث أم إيمان قائلة «بشتغل من 10 سنين فيها وحبيتها علشان بكتب الآيات القرآنية الكريمة وأسماء الله الحسنى وحاليا اعمل ستائر».
أحمد عبدالبصير يحكى قصة عمله فى السيرما قائلا: بدايتى للعمل بها منذ 20 عاما وتعلمها من ابن عمه لأنها من أهم المهن الحرفية فى العالم حيث ترجع أصولها إلى العصر العثماني والتى كانت كسوة الكعبة فى ذلك الوقت بألوان مختلفة الأحمر والاخضر وليست الكسوة الحالية، مؤكدا ان الصناعة فن تقليدى عريق والقرية رائدة فى صناعة السيرما والخشخانة وتمر بأربع مراحل المرحلة الأولى وهى الخطاط الذى يقوم برسم اللوحة التى يتم تنفيذها من قبل الحرفى ثم بعد ذلك تخطيط قماش الدمور فى شريط منسج و»تخرييم» اللوحة على ورقة وطباعتها على قماش حرير حتى يتم شد القماش على منسج عبارة عن قطعتين من الخشب إضافة إلى سيفان من الحديد ولزقها بالنشا «مياه ودقيق» والعمل عليها «نترب» الطباعة المكتوبة باللون الأبيض على الكرتون ونقوم بتفريغه بالمقص ونثبتها بالخيط «السيدة» ونعمل بالأسلاك المعدنية الحروف الزخارف الإسلامية..









