حينما اشتعلت وتيرة التطرف وزادت معدلات الانحراف الفكرى أسرع الجميع إلى الأزهر الشريف طالبين منه الإنقاذ لمستقبل أمة يحاصرها التطرف من كل أركانها، خاصة فى ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعى التى اقتحمت على الناس عقولهم قبل بيوتهم، وهنا أدرك الإمام الأكبر شيخ الازهر د. أحمد الطيب ضرورة تطوير قانون التدافع بين الخير والشر، وجاءت تنمية الفكرة بعدم الركون على جوانب الوعظ فقط، بل مشاركة المواطن فى التوعية وتدريبه على أسس المواجهة وتسليحه بأسس العلوم والمعارف الأزهرية القائمة على الوسطية والاعتدال ورفض التطرف والتشدد.. وبعد مشاورات جاءت فكرة أروقة الأزهر التى تهدف إلى فتح مجالات العلوم الشرعية لجميع طوائف المجتمع من الأزهريين وغيرهم، وبدأت الفكرة تنمو كل لحظة حتى وصل عدد الأروقة 1240 رواقا بالقاهرة والمحافظات، وتتنوع تلك الأروقة بين أروقة قرآنية وأروقة للعلوم الشرعية والعربية. «الجمهورية» عاشت يوماً كاملاً بين تلك الأروقة ورصدت حركة العلوم والمعارف التى تجمع كبار السن والشباب والأطفال فى منافسة لتحصيل العلوم والمعارف.
عند باب الأزهر العتيق الذى تجاوز الألف عام يزاحمك فى الدخول صباحا سيدات ورجال تجاوزوا الستين من الأعمار، ، يسارعون الخطى لإدراك دروس العلم التى ينتظمون بها، وأثناء دخولهم يستقبلهم د. مصطفى عوض شيش مدير إدارة شئون الأروقة الذى شرح لنا تفاصيل الالتحاق بالأروقة وعملها، مبينا أن الأروقة نوعان أحدهما متخصص فى تحفيظ القرآن الكريم للأطفال من سن الخامسة إلى العاشرة، بحيث يحفظ الطفل القرآن الكريم كاملا خلال خمس سنوات، ويسمى هذا البرنامج 5 * 5، وبرنامج آخر يستهدف تحفيظ القرآن الكريم للكبار من سن 13 عاما وحتى الثمانين، وفق خمسة أنظمة خلال عام أو عامين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أعوام، حسب إمكانيات المتقدمين للحفظ، ويسبق ذلك إجراء اختبارات تحديد مستوى ساعد فى رسم خريطة زمنية للمتقدمين للحفظ من عام حتى خمسة أعوام.
أضاف: أن الحفظ بأررقة الأزهر إما يكون مباشرة من خلال المقارئ القرآنية التى تعقد يوميا بصورة مستمرة طوال أيام الأسبوع، أو عن طريق «الأون لاين» لمن يستعصى عليهم الحضور إلى الجامع الأزهر بسبب الظروف الصحية أو ابتعاد المسكن، ويتم إجراء اختبارات كل 3 أشهر للوقوف على مستوى الحفظ بالنسبة للأطفال، واختبارات كل 5 أشهر بالنسبة لكبار السن، ولا يتم انتقال الطالب من مستوى إلى المستوى التالى له دون إتمام الحفظ، وجميع هذه الاختبارات مبرمجة إلكترونيا، والأسئلة على مستوى الجميع لتكافؤ الفرص ومسجلة بالصوت والصورة.
فى إحدى قاعات العلوم الشرعية والعربية يقف د. وائل رجب رئيس قسم العلوم الشرعية بالجامع الأزهر ليتابع نتائج التجربة الأزهرية المهمة ويقول : الدراسة فى أروقة العلوم الشرعية والعربية ليست مطلقة بل يتم تحديد المستويات، لأن كل مستوى له مؤهلاته التى تناسبه، لذا يتقدم الراغب فى الالتحاق بأروقة الأزهر بأوراق إثبات رسمية تتضمن بطاقته الشخصية الحديثة والمؤهل السابق الذى حصل عليه حتى وإن كان شهادة إعدادية، وبعدها يقوم بتقديم استمارة دخول، ويتم إجراء اختبارات تحديد المستوى ثم تبدأ الدراسة الفعلية سواء كانت بالحضور أم عبر «الأون لاين» ويستلزم فى الحالتين أن يحضر الدارس بنسبة 70٪ وبعد خمسة أشهر دراسة وفى الشهر السادس يتم امتحانه فإذا نجح المستوى الأول انتقل الى المستوى التالي، وبعد ستة أشهر يدخل المستوى المتوسط فإذا تخطاه يلتحق بالمرحلة التخصصية، وهذه المرحلة فيها أربع أقسام: عقيدة، وتفسير وعلومه، وحديث وعلومه، وفقه وأصوله، ولغة عربية وعلومها، وكل قسم من هذه الأقساط فيه أربع مستويات كل مستوى ستة أشهر، ويمتحن فى كل مرحلة قسم واحد، ولو أراد الالتحاق بقسم آخر ينتهى من الأول ثم يلتحق بالقسم الثاني، وعقب انتهاء تلك المراحل الدراسية يتم إجراء اختبارات إذا اجتازها الدارس يحصل على شهادة لا يعمل بها كمسوغ للتعيين، وإنما تفيد صلاحية حاملها للحديث فى العلم الشرعى أو اللغوى أو تحفيظ القرآن الكريم.
يؤكد د. وائل أن سماحة الأدين هى الطريق الصحيح لمواجهة التشدد وتصحيح المفاهيم ولهذا يأتى دور الأروقة والتى حققت نجاحاً كثيراً.
الدكتور عبدالمنعم فؤاد المشرف العام على الأروقة يوضح أن الامتحانات بالأروقة موحدة على مستوى الجمهورية، ولها كنترول وأسئلة وأرقام سريه مثل الامتحانات فى المدارس الثانوية الأزهرية أو الجامعة، ويتم انتقاء الموضوعات التى يتم تدريسها فى فرعى العلوم الشرعية والعربية بحيث يتم التركيز على القضايا المعاصرة التى تشغل المجتمع، حيث يقوم الأساتذة بتأصيل هذه القضايا بصورة علمية، ويقدمون جرعات علميه مفيدة لطلاب ودارسى الأروقة لسد باب الذرائع، وحماية الأمن الفكرى والمجتمعي، لذلك فإن أروقة الأزهر بمثابة سفينة النجاة لعقول الشباب خاصة القضايا التى تشغل بالهم، وحائط صد ضد أفكار التطرف التى اقتحمت مجتمعاتنا وعقول شبابنا بدون استئذان يكشف أن أحد أهم أهداف الأروقة حماية العقول من انتشار التطرف والتشدد التى تغذيها الجماعات المتطرفة وصفحات السوشيال الموجة.
أضاف أن حلقات تحفيظ القرآن الكريم للصغار والكبار بالجامع الأزهر يبلغ عددها أكثر من 40 حلقة يومياً، و35 دارساً فى العلوم التراثية والشرعية التى تبدأ من التاسعة صباحا حتى الثامنة مساء، وتم افتتاح فروع للأروقة فى 17 محافظة بالدراسة المباشرة يقوم بالتدريس فيها أساتذة جامعة الأزهر بأقاليم هذه المحافظات سواء فى وجه بحرى أو فى الصعيد، أما أروقة تحفيظ القرآن الكريم فإنها منتشرة بجميع المراكز على مستوى الجمهورية حيث يتم انتقاء المُحَّفِظِين بعناية بعد امتحانهم فى القرآن الكريم قراءة وتلاوة واتقانا وتجويدا واجتيازهم المقابلات الفكرية التى يتم الاطمئنان من خلالها على استقامة أفكارهم حتى نسلم لهم عقول أولادنا واطفالنا ونحن مطمئنون، ومقرات الأروقة فى القرآن الكريم أو العلوم الشرعية تكون بالمعاهد الأزهرية.
أبرز ما فى تلك الأروقة أنها تعتمد على كبار العلماء أصحاب التأثير والقدرة على التعليم ، ففى أحد أروقة أحد الجامع الأزهر يقف الدكتور إبراهيم الهدهد رئيس جامعة الأزهر الأسبق وأمامه طلاب يمكنهم تشكيل الأمم المتحدة لاختلاف جنسياتهم حيث يمثلون دول قارات العالم، وبينهم رجال ونساء من مصر يتابعون التخصص الذى اختاروه فى العلوم العربية والشرعية، لا يتحركون إلا بحساب، ولا ينطقون إلا بسؤال، كل منهم يحمل كتابه ومذكرته الكتابية وقلمه الرصاص يسجلون ملاحظاتهم بأيديهم، ويسجلون المحاضرة بهواتفهم المحمولة بالصوت والصوة، وبعضهم يسجلها بكاميرات خاصة، بينما يساعدهم الجامع الأزهر بتسجيل تلك الدروس بكاميرات خاصة به ثم يجعلها فى ومكتبته الإليكترونية كأرشيف علمى يمكن للطلاب الاستعانة به فى المستقبل.
وفى رواق العلوم الشرعية تخصص الحديث يجلس علم الدين الشيخلوى من دولة داغستان طالب بالدراسات العليا بالأزهر الشريف حريص على حضور شرح كتب التراث لعدد من أساتذة الأزهر أمثال د. محمد أبوموسى حيث يشرح علل الترمذي، حيث أوضح أنه حضر من بلاده على نفقته الخاصة ليدرس فى الأزهر بكلية الدراسات العليا للوافدين، ولكنه حريص على حضور الأروقة لأنها تمثل الوجه الحقيقى للأزهر الشريف وعلومه، مضيفا أن تلك الأروقة جعلته يؤمن بأن بقاء الإسلام مرهون بالمحافظة على اللغة العربية، مما جعله يطالب أبناءه وزوجته الذين يقيمون فى داغستان بتعلم العربية وأن يتحدثوا بها داخل المنزل وألا يستبدلوها بلغة أخري.
بالرواق المجاور له المتخصص فى التفسير يجلس محمد بن رجب شافعى المذهب من داغستان طالب بالدراسات العليا فى العلوم الإسلامية للوافدين قسم التفسير يوضح أن مصر نعمة رب العباد إلى العباد بما تملكه من شعب متسامح وأزهر يحفظ على المسلمين عقولهم وقلوبهم من أفكار التطرف والانحراف، رافضا أن يطيل الحديث حتى لا يفوته درس التفسير.
بينما وجدنا شاباً آخر من داغستان يجلس ناحية قريبة من دروس التفسير والحديث اسمه محمد حاج رضوان من داغستان دارس بكلية الدراسات العليا، عرفنا أنه يستعد لدرس الفقه حيث يقضى يومه منذ صلاة الفجر وحتى العشاء فى الجامع الأزهر معتبرا أنه فى حالة استنفار كامل لمواجهة عدو يريد القضاء على مستقبل دينه ووطنه من خلال أفكار منحرفة، لذا فإن مجاهدته فرض عين على كل مسلم من خلل بيان صحيح دين الله تعالي، ولا أبالغ بأن الذى لا يدخل أروقة الازهر فقد فات عمره دون أن يعرف حقيقة دينه.
وفى ساحة الجامع الأزهر التقينا إيمان القلى من القاهرة تدرس برواق القرآن الكريم لمدة سنتين حاصلة على بكالوريوس خدمة اجتماعية، وكلما أتقنت حفظ أحد أجزاء القرآن الكريم تقوم بتحفيظ غيرها ما استطاعت أن تحفظه، خاصة من الدول الإفريقية والأوروبية والأسيوية، معلنة أن لديها صفحة على الفيس بوك لتحفيظ القرآن الكريم فى الأجزاء البسيطة التى تساعد النساء على آداء العبادات، وقد وجدت تفاعلا كبيرا لسيدات من مدغشقر، وانجلترا وباكستان تقوم بتحفيظهم ما حفظته من شيخها فى الرواق بالجامع الأزهر.
منة الله حسن من القاهرة بكالوريوس زراعة تحضر إلى الجامع الأزهر يومين فى الأسبوع للحفظ بإتقان، مؤكدة أنها لن تغادر الأزهر حتى تتقن حفظ القرآن كاملا، وتراهم وهم يجلسون أمام فضيلة الشيخ عبدالرحمن باز محفظهم القرآن يقول لهم: قد اختصكم الله بالخير فى مكان الخير وبلد الخير، فاحملوا الخير إلى عباد الله تعالى كما تعلمتوه هنا حتى تأخذوا ثواب الدنيا والآخرة.
ولاء سعد ثالثة آداب نظم معلومات عين شمس القاهرة لم تكن تصدق أن الخدمة العظيمة التى سمعت عنها مجانية حتى جاءت وتقدمت ووجدت مستوى تعليمياً يشبه الأكاديميات الدولية فى الدقة والنظام، حيث تدرس بأروقة القرآن والعلوم الشرعية ما جعلها تعرف أن الأمة فى خطر بسبب الأفكار المنتشرة على التواصل الاجتماعى وبها سموم تفسد العقول.
التقت «الجمهورية» يحيى زكريا 64 سنة من القاهرة مهندس مدنى يقول: أنا على المعاش ورغبت حفظ القرآن الكريم فلم أجد أمامى إلا أن التحق بالرواق الأزهرى كى أنال شرف حفظ القرآن الكريم والحمد لله رب العالمين حفظت الآن ثمانية أجزاء على أكثر من شيخ وأنا أحضر إلى المسجد يومين فى الأسبوع، كما تدرس معى بالرواق ابنتى الدكتورة صفية نائبة بمستشفيات جامعة عين شمس وتحفظ القرآن الكريم كاملا، واختها د.هدى طبيبة بكلية الطب البيطرى تحفظ أربعة أجزاء وجاء معنا أحفادى الذين يدرسون فى الأروقة حفظ القرآن الكريم، فنحن أسرة يجرى حب الأزهر فى عروقها لأن والدى كان حاصلا على العالمية من الأزهر، وكان صديقاً للشيخ عطيه صقر، وجاء معنا إخوتى وأولادهم بعدما شاهدوا الخير الذى نحن فيه.
أكد د. هانى عودة مدير الجامع الأزهر أن لدينا 540 محفظا للعلوم الشرعية والعربية إضافة إلى 270 استاذا من الجامعة كل التخصصات الشرعية الفقه وأصوله والحديث وعلومه والتفسير وعلومه والتوحيد والتجويد ونعمل على تدريس 30 كتابا للتراث اسبوعيا يقوم بتدريس هذه العلوم جمع من أعضاء هيئة كبار العلماء.