بطبيعة الحال هناك سياق للفهم من وراء الكتابة عن التحديات الوجودية التى تواجه الدولة المصرية التى فرضتها أزمات قديمة على مدار العقود الماضية وأيضاً تداعيات لأزمات وصراعات وتوترات دولية وإقليمية خاصة على البعد الاقتصادي.. وهناك أيضاً قضايا خطيرة تلقى بظلالها وآثارها السلبية على مسار البناء والتنمية.. وهنا أتحدث عن النمو السكانى المرعب.. تلك القضية التى تواجه الدولة المصرية فى الماضى ومازالت وهى أحد الأسباب الرئيسية التى لم تمكن المواطن من أن يشعر بعوائد التنمية.
وقبل الحديث عن قضية الزيادة السكانية كأخطر التحديات الوجودية وآثارها الصعبة.. لابدأن نتطرق إلى تحد خطير اخر وهو التغيرات الجيوسياسية فى المنطقة.. وتصاعد الصراعات فى المنطقة فى ظل العدوان الصهيونى على قطاع غزة وأهدافه الخبيثة العديدة سواء المعلنة أو غير المعلنة والأخيرة بطبيعة الحال هى الأخطر.. لأنها تتعلق بمحاولات تصفية القضية الفلسطينية وتهجير سكان غزة والضفة واجبار سكان القطاع على النزوح إلى الحدود المصرية سعياً وتوهماً بتنفيذ المخطط «الصهيو- أمريكي» لتوطينهم فى سيناء.. وهو الأمر الذى رفضته مصر بحسم واعتبرته (خطاً أحمر) يمس أمنها القومى الذى لا تهاون ولا تفريط فى حمايته.. وهنا ومع استمرار واصرار العدو الصهيونى على التصعيد وحرب الإبادة والتجويع والقضاء على مقومات الحياة فى غزة.. بما يعنى حسب أهداف الفلسطينيين ليس أمامهم إلا الحدود المصرية.. واحتلال الجيش الصهيونى وسيطرته على الجانب الفلسطينى من معبر رفح.. ناهيك عن حالة الجنون التى أصابت رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته من المتطرفين على إفشال أى مقترح أو ورقة أو رؤية للاتفاق ووقف إطلاق النار.. وانهاء العدوان ليعود الأمن والاستقرار للمنطقة وتتلاشى نذر الحرب الشاملة.. وهنا قد نجد أنفسنا أمام من يحاول ان يفرض علينا مواجهة وإن كنا لا نريدها ولكننا قادرون وجاهزون لها بما لا يتوقعه عقل بشر.. فمصر اختارت السلام عن قناعة وإيمان لكنه سلام الأقوياء.. وما أتحدث عنه هو أحد التحديات الوجودية التى قد تفرض عليها وبالتالى فى علم الاحتمالات والتقديرات له حساباته واستعداداته والتفكير ببعد النظر خاصة على الصعيد الاقتصادي.. وأهمية وضع كل الاعتبارات فى الحسبان.
هنا أقول.. ان حماية الدول والحفاظ على الأوطان وترسيخ الأمن والاستقرار وصون الأرض والسيادة والكرامة الوطنية قضية لا تعنى القيادة والمؤسسات الوطنية فحسب ولكنها مسئولية الجميع.. قيادة وشعباً.. ولابد ان تكون هناك تشاركية وتضحيات وقدرة على الصمود والتحمل.. بل وتنازلات من المواطنين حتى يبقى الوطن دائماً قوياً وجاهزاً ومستعداً لكافة السيناريوهات والاحتمالات فى ظل محاولات تطويق مصر من كل اتجاه وحصارها اقتصادياً وأيضاً فى ظل تداعيات الأزمات والصراعات الدولية والإقليمية المخططة والممنهجة والمستهدف منها مصر خاصة على الصعيد الاقتصادي.. فما يجرى على سبيل المثال فى البحر الأحمر من توترات.. أمر بطبيعة الحال مقصود ومتعمد بهدف ضرب مصدر مهم لمصر من الموارد من العملات الأجنبية خاصة الدولار فى ظل احتياجاتها السنوية لـ55 مليار دولار لاستيراد السلع الأساسية واحتياجات المواطنين وأيضاً لسداد التزاماتها الدولية.. كل ذلك يعنى ان هناك ضغوطاً على الموازنة العامة للدولة تحتم اتخاذ بعض الإجراءات حتى لا تتأثر قوة وقدرة الدولة وربما تكون لهذه الإجراءات تداعيات صعبة على المواطنين.. لكن مصر فى النهاية وطن الجميع.. تتحمل مسئوليتها (القيادة والشعب) وتستوجب الحفاظ على أمنها وسلامتها واستقرارها وسيادتها ووحدة أراضيها.. وعدم المساس بأمنها القومى كما يتطلب ان نحافظ على النعمة أو النعم التى نعيش فيها.. فإذا كانت الأمور فيها بعض المعاناة من ارتفاع الأسعار أو تخفيف الأحمال أو رفع سعر رغيف الخبز المدعم إلى 20 قرشاً بدلا من خمسة قروش فى حين ان تكلفته الحقيقية 125 قرشا.. ولم يزد على مدار 30 عاماً.. أو ضرورة الإصلاح الشامل واستكماله لأنه المسار الحقيقى والنجاح الذى يحقق أهدافنا فى اقتصاد قوى وقادر ومرن فى ظل تداعيات وظروف دولية وإقليمية استثنائية تفرض علينا التشاركية فى تحمل التداعيات الخطيرة لهذه الأزمات. لذلك علينا ان نتحمل معاً (دولة وشعباً) .. ولا يجب ان نتجاهل ما تقدمه الدولة للمواطن.. سواء فى مجال الحماية الاجتماعية أو الدعم أو بناء الإنسان أو إصلاح منظومة الخدمات مثل الرعاية الصحية والتعليم ومشروع القرن «حياة كريمة».. فالمواطن هو أهم أولويات الدولة على مدار 10 سنوات.. وهى تسعى جاهدة لتوفير سبل ومقومات العيش الكريم وأهم تكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسى للحكومة الجديدة هى بناء الإنسان المصرى وضبط الأسواق والأسعار.
الحقيقة اننا نحتاج لسياق للفهم.. فلدينا قيادة وطنية مخلصة وشريفة وحكيمة تحرص على تمكين الدولة المصرية من أعلى مستويات القوة والقدرة والجاهزية لمجابهة أى تحديات وتهديدات أو مخاطر قد تفرض علينا وتمس سيادتنا وأمننا القومي.. فكلما كان الوعى والفهم والاصطفاف وتماسك الجبهة الداخلية التف المصريون حول قيادتهم.. وازدادت القوة والصلابة فى مواجهة أى تهديدات.. خاصة أننا نعيش فى فترة دقيقة واستثنائية ومعقدة تكثر فيها التهديدات والمخاطر من كل حدب وصوب ومصر دولة مستهدفة وتحاك لها المؤامرات والمخططات وتواجه ضغوطاً ومحاولات للابتزاز والحصار تفوق تصور البشر.. وهو ما يجب أن يعلمه المصريون جميعاً بفهم ووعى بدلاً من الأحاديث والكلام غير المسئول الذى يعكس حالة من عدم الفهم لطبيعة ما يجري.
التحدى الأخطر أيضاً الذى يواجه الدولة المصرية والذى يجب ان يعيه المصريون جيداً هو النمو السكانى المرعب.. يكفى ان أقول ان مصر ارتفع تعدادها السكانى أكثر من 25 مليون نسمة منذ 2011.. وهذا النمو المرعب له متطلباته على حساب موازنة الدولة فى ظل محدودية الموارد الاقتصادية والمائية.. فاذا كنا مثلا نتحدث عن 55 مليار متر مكعب من مياه النيل وهى حصة ثابتة فى ذات الوقت هناك زيادة سكانية مرعبة.. بالإضافة إلى احتياجات هذا الرقم السنوى.. لذلك نطرح على أنفسنا السؤال.. ماذا سنفعل مع زيادة التعداد السكانى لمصر فى 2030 إلى ما يقرب من 120 مليون نسمة؟.. هل هو مناسب فى ظل الأزمات والصراعات العالمية والإقليمية وتداعياتها؟.. وما هى فاتورة هذه الزيادة؟ فى هذه السلسلة التى كتبتها على مدار الأيام السابقة حاولت وضع سياق للفهم والوعي.. أضعه أمام المواطن المصرى ليفهم طبيعة ما يجرى ويلتف حول وطنه فى هذه الظروف والتحديات بل التهديدات الوجودية.. وان كل ما تتخذه الدولة من إجراءات أمر مبرر وواقعى ومنطقى ولابد ان نتشارك جميعاً فى الحفاظ على الوطن وصون أمنه واستقراره.
تحيا مصر