
على مدى 72 عاماً منذ إنشائها على يد الزعيم الخالد جمال عبدالناصر وإشراف الرئيس أنور السادات.. بدأت الجمهورية شامخة الرأس عالية المكانة بين الصحف المصرية.. أعلنت رسالتها صوت الشعب والمنبر المعبر عنه واختارت التنوير والالتزام بالحقيقة والفن الصحفى الهادئ المسئول.. طريقا لكسب ود القارئ واحترامه.. شاركته الآمال والأحداث والتحديات.. وحالفها التوفيق من الله -سبحانه وتعالي- وجهد مخلص لرجال مبدعين وسيدات فضليات.. تعاون الجميع فى أداء الرسالة وتنشئة الأجيال وتبنى الموهوبين..
كنت – ولا زلت – واحدا من هؤلاء الذين دخلوا باب الجمهورية فى 13 نوفمبر سنة 1958. أخطو الخطوة الأولى طالباً بقسم الصحافة بجامعة القاهرة.. حيث أجرى معى الصديق الراحل سعيد صادق تحقيقا صحفياً كأصغر طالب بالجامعة..
وبعد حوار نصف ساعة مع عملاق الصحافة الراحل الأستاذ جلال الدين الحمامصي.. عرض عليّ التدريب بالجمهورية.. ومن ساعتها لم أغادر البيت الغالى والصرح العظيم حتى كتابة هذه السطور.
تنقلت فى أقسام الجريدة بادئاً بقسم المنوعات المسئول عن الصفحة الأخيرة بقيادة الأستاذ رائد عطار مدير التحرير – الذى انتقل فيما بعد إلى التعاون ثم الأهرام – ولم تنته الرحلة بالعمل فى الدسك المركزى الذى يضم نخبة الصحفيين وتدرجت فيه حتى اختارنى الأستاذ سمير رجب رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير الأسبق مسئولاً تنفيذياً عن إصدار الجمهورية – بطبعاتها الثلاثة – مع أصدقاء أعزاء منهم: خالد إمام ومحمد الشرقاوى ود. لطفى ناصف وعبدالكريم سليم.
وشرفت بأن أكون ضمن أول قائمة مختصرة لمسئولية نائب أول رئيس التحرير.. وبعد خروجى للمعاش لم أستطع البعد عن محبوبتى وبيتى الجمهورية..
أحرص على مقاومة المرض والوهن.. أسعد بالحضور إلى الدسك مشاركاً للأجيال الجديدة حتى القيادات الشابة التى تؤدى مسئوليتها بكل اقتدار.
على طول الرحلة – أو مسيرة التنوير -تعاملت مع الجميع.. وتكرمت قيادات الجمهورية بأن أفسحت صدرها لى فى أعوام ماضية كى أسجل شهاداتى عن هذه المسيرة التى تمثل فى نفس الوقت مشوار العمر.. فكرت ماذا أكتب هذا العام؟
جلسة مع النفس
بعد جلسة مع النفس.. جاء بخاطرى الكتابة عن هؤلاء المبدعين الذين عملوا فى الظل.. وساهموا فى العمل ومسيرة التقدم.. بكل حب واقتدار.. عملوا تحت ظل ظروف طباعية وفنية صعبة.. تعرقل الإبداع.. نظرا للطباعة البارزة للجريدة.. بطريقة «الروتاتيف» ولم يتوفر لهم إمكانات التكنولوجيا الطباعية التى استفادت منها المؤسسة الصحفية ويرجع الفضل لإدخالها المؤسسة بشركة الإعلانات الشرقية المرحوم الأستاذ محسن محمد.. مكتشف جيلا شاباً موهوباً.. درس فى كلية الإعلام.
فى البداية الاعتذار واجب أولاً عن السهو والنسيان ثانياً لعدم الحديث عن جميع هؤلاء المبدعين.. تركيزى – بالطبع – على البارزين والذين تعاملت معهم ولديّ معلومات صحيحة عن مسيرتهم وليست مجرد أقاويل.. كما أنى لو حاولت التغطية الشاملة، لن أستطيع الحديث عن الجميع بسبب الحالة الصحية والوهن وأيضاً المساحة.. لذلك أسألكم الدعاء بطول العمر حتى نكمل المشوار معاً.
سكرتارية التحرير
يتصدر سكرتارية التحرير فى أى جريدة أقسام الظل.. حيث إن العاملين به..مسئولون عن تحويل المادة التحريرية وملحقاتها من عناوين وصور ورسوم إلى عدد جديد من الصحيفة..
يبدأ عملهم بقراءة المادة، ثم إعداد الماكيت.. وإرسال المادة للمطبعة صباحاً، وفى المساء يتناوبون العمل بالمطبعة مع التجهيزات الفنية والتصحيح والأرشيف، ثم اعتماد الصفحات من مدير التحرير أو سكرتير عام التحرير.. ويظلون على رأس العمل حتى صدور الطبعة الثالثة، وبعدها تنقلهم سيارات الجريدة إلى منازلهم استعداداً ليوم جديد.
لاحظت أنه رغم تواجد العنصر النسائى فى الجريدة، إلا إن السكرتارية مقصورة على الرجال فقط.. وأدركت عندما تدربت معهم كم هى مهنة شاقة وحساسة.
من رجال السكرتارية أبدأ بالراحل الكبير الأستاذ إبراهيم نوار رئيس التحرير.. كأحد أعظم من يرسم الماكيت باقتدار، كما كان مترجماً ممتازاً نلجأ إليه فى الأخبار الطارئة القادمة من الوكالات الأجنبية.
تضم لائحة الشرف الأستاذين محمد حمودة أول من تولى مسئولية مدير عام التحرير.. وكان مشرفاً على رحلات أوائل الثانوية العامة فى أوروبا حتى الرحيل.. تميز بثقافة عالية جمعت بين العربية والفرنسية..
ثم الأستاذ عبدالله نوار سكرتير عام التحرير.. الغاضب دائماً لكنه كان طيب القلب.. عطوف على البسطاء.. وهناك المرحوم رشاد حبيب – ابن الذوات – الفنان الذى فك شفرة الروتاتيف وجاءته الفرصة للعمل بدول الخليج.. لخبرته النادرة.. لكنه كل مرة كان يعود إلى بيته بالجمهورية.. مشكلته الوحيدة أنه كان مدخناً شرهاً خاصة فى ليالى السهر.. شرفت بأن رافقته فى سيارة الدار.. خلال الليل وكان أكثرنا تعاملا مع الخطاطين والرسامين.. وكان موضع الاحترام من الجميع.
وهناك الأصدقاء الثلاثة مصطفى حرب ومصطفى شريف وعزب شحاتة.. ثلاثى مبدع.. منهم الذى جاء للسكرتارية مباشرة.. ومن عمل بالتحرير.. كانوا دائمى المرح والابتسامة.. خبراء فى اكتشاف المواهب من المتدربين.
خطاطون وفنانون
أما بقسم الخط.. فقد ضم على مدى تاريخ طويل قمماً معروفة بإجادة الخط العربى وتشكيله حسب طلب سكرتير التحرير… لاحظت حرصهم قراءة الموضوعات المطلوبة لفهم الموضوع، ليكون الخط المبتكر حديث الجميع أذكر منهم المرحومين كامل المرصفى الأنيق دائما.. يحضر مبكرا ويمارس عمله على صوت الإذاعة.. ومحمود إبراهيم الخطاط القدير الذى يفخر بأنه كتب سور المصحف الكريم بالتشكيل والوقفات بخط النسخ الجميل.. وقد عمل – فيما أذكر – فى ليبيا الشقيقة لبعض الوقت.. وجاء الجمهورية بعد احتجاب صحيفة الشعب.. التى أسسها صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة.. والذى عمل رئيسا لمجلس إدارة دار التحرير.
وقد صادقت الراحل الأستاذ محمود عوض الذى عمل أحد أبنائه بالقسم الفنى بالمطبعة وزاملت الراحل عبدالمنعم البيرجمى أستاذ ومعلم الخط.. عندما عمل معى بالسعودية.. لفترة امتدت عامين تقريبا.. وكنا – بفضل الله – أصدقاء فى الغربة حتى الرحيل.
وفى نفس الغرفة عمل الفنان سيد فضلون.. كان رساماً وخطاطاً فى نفس الوقت.. كسب احترام الجميع.
قد لا نستطيع إدراج الزملاء المصورين أو الصحفيين فى قائمة الظل.. لأن أسماءهم تنشرها الصحيفة مقرونة باسم المحرر المختص.. هناك من المصورين من يملك ملكة الكتابة مع براعة استخدام الكاميرا.. لكن أحياناً ينسى سكرتير التحرير اسم المصور.. يسقط سهوا عن الموضوع.
ومنذ البداية ضمت الجمهورية نخبة من المصورين البارعين.. سجلوا الأحداث.. واقتحموا الأخطار وشهد لهم القراء.. ضمت القائمة التى خدمت إصدارات المؤسسة فى الصدارة: عبده خليل كبير المصورين.. ثم سعيد النادي.. الأنيق دائما الذى يساعد المحرر فى أداء مهمته.. ويحمل دائما أسئلة مهمة تخدم الموضوع.. ووليم مرقص الفنان الهادئ.. صاحب الصوت الخافت والصور الجميلة.. وعبدالعظيم عبدالفتاح.. الرجل الطيب المتمسك بالمظهر الشبابي.. يسعد دائما بالمهام الخارجية بعيدا عن العاصمة.. وأذكر أننى كنت معه فى رحلة عمل إلى أسيوط.. وتوقف بنا القطار عند المنيا.. سرنا على القضبان.. عثرنا على سيارة نقل لنعود إلى القاهرة ومعنا سبق صحفى وصور نادرة.
وهناك الفنان عمرو المراغى -رحمه الله – إخصائى تصوير البورتريه والمناظر الطبيعية الخلابة.. وما زلت استخدم صورتى الشخصية التى التقطها لى فى كل مناسبة.. أجدها الأفضل دائماً.. ولا ننسى مجهود محمود عبدالفتاح الفنان الرائع عاشق الكاميرا ينفق كل ما يكسب لشراء عدسات ومعدات حديثة.. صورها مبهرة.. كان أول من يذهب إلى الحادث ويقدم صورا مكانها الصفحة الأولى دائماً.
واذكر شقيقه أحمد عبدالفتاح الذى ينافسه على اللقطات الرائعة.. خاصة صور المباريات الرياضية والأهداف المبهرة ولا أنسى الصديق عبدالمنعم حامد الرجل الهادئ دائما والذى سافر للعمل فى الرياض كأول مصور صحفى مصرى واستمر هناك سنوات وحقق نجاحات باهرة.
ووراء كل هولاء بحق جنود مجهولون هم الفنيون بالمعمل وفى مقدمتهم الصديق عادل زيد الحاضر دائما.. ثم توالت أجيال.. هشام كمال واحمد حسان ورفعت بشاي.. ولا ننسى أبدا الفنان القدير سليمان عطيفى المسئول عن نشاط رئيس الوزراء.. دائما على استعداد.. مبدع مبتسم.. هادئ تماما.. ينقل إلى من يعمل معهم طاقة إيجابية مصحوبة بالثقة.. حتى نصل إلى جيل الشباب ويضم من المواهب الكثيرين ومنهم أحمد سعداوى وأحمد المالكى وسعيد شحات وغيرهم.
الأرشيف و مركز المعلومات
أما أرشيف الجمهورية الذى أصبح مركزيا مع الانتقال للمبنى الجديد.. فقد شهد تحديثا كاملا واعتمد التصنيف الببلوغرافى للشخصيات والموضوعات.. ويحتوى على ثروة نادرة من الصور المتنوعة.
البداية فى المبنى القديم.. أنجزها الحاج صالح فهيم الرجل الطيب.. صديق الجميع.. لا يغادر مبنى المؤسسة معظم الوقت.. يساعده إبراهيم عبدالسلام الفتى الطيب الهادئ.. ثم دخلت أجيال شابة قادها باقتدار الصديق حامد ذهني.. ليصبح الأرشيف وحدة معلومات حديثة شاملة يتم دعمها على أسس علمية وصحفية رائعة.
وبالمقابل تم إضافة مركز الأبحاث والدراسات ليكون الجناح الوثائقى والتحليلى للأحداث وقضايا الوطن تحت إشراف المفكر والكاتب الكبير.. د.فتحى عبدالفتاح وعاونه مجموعة من الشباب المثقف منهم فتحى متولى وبدوى محمود وسلوى محى الدين وسنية البهات وعذرا للسهو والنسيان.. وضم المركز مكتبة صحفية وأدبية شاملة..
هذه نبذة مختصرة عن زملاء وزميلات أعزاء اكتملت بهم منظومة الإبداع الصحفى وقافلة التنوير داخل أبعاد المبنى الشامخ الحديث.. درة شارع رمسيس بالعاصمة.









