يقول الحق سبحانه وتعالى فى محكم التنزيل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» «آل عمران: 102»، والتقوى عرّفها بعض أهل العلم بأنها الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بما قسم الله «عز وجل» والاستعداد للقائه سبحانه، وقال بعضهم إنما سُمِّى المتقون متقين لأنهم اتقوا الشبهات وما لا يتقيهم غيرهم مما يظنه بعض الناس من صغائر الأمور، حيث كان بعض الصالحين يتورعون عن بعض الحلال مخافة أن تكون فيه شبهة حرام.
وقد تحدث القرآن الكريم حديثًا وافيًا مستفيضا وكاشفا عن صفات المتقين وجزائهم، حيث يقول سبحانه: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمـُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا الله فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا الله وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ«آل عمران»: 133 – 136»، فأخص صفاتهم هنا الإنفاق فى السراء والضراء، والعفو والإحسان، وكظم الغيظ، وأنهم أوَّابون إلى الله «عز وجل»، وجزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، وإنه لنعم الأجر والحزاء وحُسن العاقبة.
ويقول سبحانه: «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِى الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِى الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» «البقرة: 177»، وأول صفاتهم هنا أيضًا بعد الإيمان بالله «جل وعلا» وملائكته وكتبه وأنبيائه وباليوم الآخر أنهم يؤتون المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، لا يبغون غير مرضاة الله «عز وجل» سبيلاً، قال تعالي: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا» «الإنسان: 9,8».
ويقول سبحانه فى سورة البقرة: «الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» «البقرة: 1 – 5»، فذكر ضمن صفاتهم أيضًا الإنفاق فى سبيل الله تعالى «وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ», وكأن الإنفاق فى سبيل الله عز وجل من أخص صفاتهم.
وجزاء المتقين عند الله عظيم، حيث يقول سبحانه: « إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ» «الحجر: 46,45»، ويقول سبحانه: «إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ» «القلم: 34»، ويقول سبحانه: «إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا وَكَأْسًا دِهَاقًا لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا» «النبأ: 31 – 36»، ويقول سبحانه: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ» «الدخان: 51 – 54», ويقول سبحانه «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ» « القمر: 55,54»، وهم دائما فى معية الله وحفظه حيث يقول سبحانه: «وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» « البقرة: 194»، ويقول سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ» «النحل: 128»، اللهم اجعلنا منهم واحشرنا فى زمرتهم.









