الاستعمار القديم والجديد يعمل دائماً على إجهاض تجارب مصر الناجحة
المفارقة أن تواجه مصر كل العواصف التي هبت على المنطقة وأثرت فيها ونالت من استقرارها، المفارقة أيضا أن تنجو بلادنا من مخططات السقوط والإرهاب السابقة والحالية، وأن تقف شامخة لا أحد يستطيع النيل منها أو أن يملي إرادته عليها.. قائمة طويلة من نجاحات مصر في السنوات العشر الأخيرة يصعب حصرها ولكنها تزيد من وقع المفارقة بين «ما كان مخطط لنا، وبين ما أصبحنا فيه الآن» من إمكانات وقدرات أمنية وسياسية ودبلوماسية، في وقت يعاني فيه العالم والمنطقة من الأزمات التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية، ومن الآثار الخطيرة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وما نجم عنه من قتل وتدمير وحرب إبادة وتكلفة هائلة من أجل توفير المساعدات.
واقع الحال يشير إلى أن أحداث 25 يناير2011 جاءت كاشفة لمخطط الفوضى المرسوم لمصر، ولكل أخطاء العهود السابقة في كافة المجالات والاتجاهات، غير أن الإرادة الوطنية وعبقرية المصريين فى ثورة 30 يونيو ثم تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم عام 2014 ، ساهمت جميعها في إنقاذ مصر من مخطط السقوط وفي هزيمة الإرهاب، والأهم تحقيق الأمن القومي المصري بمفهومه الشامل، بتأمين الجبهة الداخلية وتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي للدولة، وانجاز آلآف المشروعات القومية الكبرى، كذلك النجاح الذي تحقق في مجال الحماية الاجتماعي وفي الحفاظ على الهوية المصرية ومجابهة الفكر المتطرف بأشكاله المتنوعة، وهو ما ساهم بدوره في زيادة أهمية الدور الحيوي الذي تلعبه مصر في تحقيق السلم والأمن الدوليين والاستقرار في قلب العالم.
هذه البداية لابد منها ونحن نتابع هذه الهجمة الشرسة ضد مصر والتي تنفذها بعض الجهات الأجنبية والمواقع الإلكترونية التابعة لتيار الإسلام السياسي، بغرض العودة للمربع الأول ومحاولات استعادة مخطط الفوضى الذي أفشله المصريون قي العقد الماضي، وبدافع الإنتقام من مصر التي كشفت خيانة جماعة الإخوان الإرهابية وأنهت وجودها في المنطقة، ومن أجل توريط مصر في حرب « لم تكن سببا فيها وليس وقتها»، هذا إلى جانب عوامل أخرى عديدة ربما يتم الكشف عن بعضها في الشهور القادمة ، ولكن ما يجب الانتباه له واستيعابه الآن أن مصر على مدار السنوات القليلة الماضية شهدت المزيد من محاولات الاستهداف والتضييق عليها ومحاصرتها، من خلال الوضع غير المستقر في ليبيا بالاتجاه الغربي، والأزمة السودانية في الاتجاه الجنوبي ، وأخيرا الاتجاه الشمالي الشرقي وحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على أهالينا في غزة ، واقتحام رفح الفلسطينية المتاخمة للحدود المصرية.
تلك الحقائق نستوعب أسبابها ومغزاها أكثر باستعادة عبارة للرئيس السيسي ذكرها في إحدى المناسبات الوطنية وقوله: « إنه درس تجربة محمد على في القرن التاسع عشر وعرف لماذا فشلت ، ودرس تجربة عبد الناصر في القرن العشرين وعرف لماذا لم تنجح»، فهذه العبارة التي ذكرها الرئيس تعني باختصار أن مصر مستهدفة على مر العصور، وأن الاستعمار «القديم والجديد» عمل ويعمل دائما على إجهاض تجارب مصرالناجحة وتقويض إنجازاتها، لذا فمن الضروري حاليا الانتباه لكل ما يحيق بمصر من مؤمرات تستهدف مشروعها التنموي العملاق الذي بدأ في منتصف العقد الماضي وبدأ يؤتي ثماره الآن، في الزراعة والصناعة وفي كافة المجالات.
الملاحظة الأخيرة في هذا السياق هي أن مصر ورغم التعقيدات الكثيرة التي تحيط بها، إلا أنها لم تنس دورها العربي والوطني، وبذلت وتبذل كل الجهود لأجل استقرار ليبيا وإنهاء الأزمة في السودان، ثم هي الآن تمارس دورها المهم في انقاذ غزة من العدوان الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة رغم كل الصعوبات والتحديات.