فى يوم 7 مايو عام 1932 صدر مرسوم ملكى وقعه صاحب الجلالة الملك فؤاد الأول وإسماعيل صدقى وزير المالية فى ذلك الوقت، تضمن المرسوم تأسيس شركة مساهمة تدعى مصر للطيران، وسميت الشركة بأسمين أحدهما باللغة العربية وهو «شركة الخطوط الهوائية المصرية» والآخر باللغة الإنجليزية وهو «مصر آيروورك» ونص عقد التأسيس أن يمتلك المصريون 60 ٪ على الأقل من هذه الأسهم، ولهذا المرسوم قصة بدأت قبل صدوره بسنوات. ففى عام 1899 ولد فى حى سرايا القبة بالقاهرة محمد صدقى والذى كان يعمل والده ضابطاً بالمدفعية، أكمل صدقى تعليمه وحصل على البكالوريا ثم أرسله والده إلى ألمانيا ليلتحق بكلية الاقتصاد حيث حصل على شهادة فى علوم التجارة وعاد ليعمل بأحد أكبر البنوك المصرية وقتها. وفى عام 1927 تحدث العالم كله عن الطيار الامريكى «تشارلز لندبرج» وهو أول طيار يعبر المحيط الأطلنطى بطائرة ذات محرك واحد، وعندما شاهد صدقى ذلك الحدث أحب الطيران وترك وظيفته المصرفية وسافر إلى ألمانيا لتعلم الطيران. واشترى بماله الخاص طائرة صغيرة من فئة «كلم» وكانت ذو غطاء زجاجى وسرعتها لا تتجاوز 120 كم فى الساعة. وقرر صدقى أن يحلق بطائرته من برلين إلى القاهرة يوم 12 يناير 1930 من مطار برلين وأن يقوم برحلته عبر أوروبا فى صراع مع الطقس غير المستقر حيث وصل إلى تشيكوسلوفاكيا ثم إلى مملكة يوغوسلافيا ثم البحر المتوسط الذى طار فوقه إلى أن وصل إلى السلوم داخل مصر ثم واصل طيرانه إلى الإسكندرية ثم إلى القاهرة. وكان صدقى قبل عودته قد تبادل المراسلات مع مصطفى النحاس باشا رئيس الوزراء وحدد موعد عودته للقاهرة، فتم إعداد سرادق ضخم بمطار هليوبوليس لاستقباله وكان على رأس مستقبليه النحاس باشا ومحمود فهمى النقراشى وزير المواصلات ونجيب الغرابلى وزير الحقانية وطلعت حرب الاقتصادى الشهير بالإضافة لعدد كبير من السفراء الأجانب وقادة الجيش المصرى وممثلو الصحف والمجلات المصرية والعالمية وعدد كبير من الجماهير. وكان الشاعر أحمد شوقى من ضمن مستقبليه فقال عنه «لقد رأيته فخيل إلى أنه قائد شاب مصرى عائد من ميدان القتال وهو متوج بأكاليل النصر والفخر، ولقد رأيت فى وجهه صورة فرعونية صادقة ولعل هذا هو سر ما فيه من جرأة وشجاعة وإقدام»، أما الصحفيون المصريون فقد أطلقوا عليه لقب «لندبرج مصر». وكانت هذه الرحلة التى تحدث عنها العالم هى التمهيد لتعاون نشأ بين صدقى وطلعت باشا حرب ومحمد علوى باشا صاحب النبوغ الطبى والذى عرف عنه حبه للطيران فبعد إنشاء مصر للطيران تم إنشاء أول مطار مدنى فى مصر وهو مطار ألماظة بالإضافة لإنشاء أول مدرسة طيران مصرية. ولم يكتف صدقى بما حققه من نجاح بل سافر إلى بريطانيا لدراسة الطيران دراسة أكاديمية ليعود عام 1936 بعد نيله درجة علمية دولية فى الطيران المدنى ليصبح من أبرز طيارى مصر ويؤسس نادى الطيران المصري. هذه الرحلة التاريخية كتبت بدايات الطيران المدنى المصرى كما كانت السبب فى إنشاء أهم وأكبر الشركات المصرية تمت بطائرة صدقى التى أطلق عليها اسم «الأميرة فايزة» نسبة إلى ابنة الملك فؤاد الأول، وقد أهداها لمصر للطيران بعد ذلك ليتم تسجيلها فى السجلات المصرية بالحروف المصرية 1932. ولتبقى مصر أول دولة عربية وأفريقية عرفت الطيران سواء بالمطار أو الطائرات الشراعية وغيرها من الطائرات.