فى الوقت الذى تزداد فيه التوترات فى منطقة الشرق الأوسط، وتتصاعد العمليات العسكرية فى قطاع غزة، يبدو أن هذه الأحداث لن تبقى محصورة داخل حدود المنطقة فحسب، بل ستنتشر تأثيراتها إلى أرجاء العالم، بما فى ذلك أوروبا التى تختار برلمانها المكون من 720 عضواً فى 27 دولة.
فما بين صراع أحزاب اليسار وحزب اليمين المتطرف على مقاعد البرلمان الأوروبي، تأتى حرب الاحتلال الإسرائيلى على قطاع غزة لتتصدر المشهد وتشعل الأجواء داخل القارة العجوز، وتحدث التفافاً شعبياً حول قضية فلسطين.
تتجلى تأثيرات حرب غزة على انتخابات البرلمان الأوروبى بعدة طرق، أولها التأثير المباشر على مواقف الأحزاب والمرشحين المشاركين فى الانتخابات. فالحرب قد تزيد من تقارب بعض الأطراف وتزعزع علاقات بعضها البعض، مما ينعكس على أجنداتهم السياسية وقدرتهم فى الحصول على دعم الناخبين.
علاوة على ذلك، يمكن لهذه الحرب أن تثير النقاشات حول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يؤثر بشكل كبير على تفضيلات الناخبين وقراراتهم فى صناديق الاقتراع. فقد تتباين آراء الناس بشأن مواقف الاتحاد الأوروبى تجاه الصراع، وقد يؤدى ذلك إلى تحركات انتخابية غير متوقعة، ويؤثر على توزيع المقاعد فى البرلمان الأوروبي.
رغم تضارب التكهنات بشأن تأثير وعدم تأثير الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة فى نتيجة الانتخابات، خاصة أن البرلمان صادق فى 18 يناير الماضى على قرار يدعو فيه إلى وقف اطلاق نار مشروط، إلا أن التوقعات تشير إلى ان هذه الحرب سيكون لها دور على اختيارات الأوروبيين لبرلمانهم، خاصة مع انتشار الوعى العالمى بالقضية الفلسطينية وخروج الفعاليات المؤيدة لفلسطين بشكل دائم، حيث أعلن عدد من الدول الأوروبية استعدادها الاعتراف بدولة فلسطين وعلى رأسهم إسبانيا.
بشكل لا يمكن إنكاره، فإن الحرب على غزة تثير موجة من العواطف والتوترات على مستوى العالم، خاصة فى الدول الأوروبية التى تحتل مواقع بارزة فى الشأن الدولي. وبما أن الاتحاد الأوروبى يعتبر أحد اللاعبين البارزين فى جهود التوصل لحلول دبلوماسية للازمات الدولية، فإن أداءه فى التعامل مع الأزمة الحالية فى غزة قد يكون من بين العوامل التى يستند عليها الناخبون فى اتخاذ قراراتهم فى الانتخابات البرلمانية.
لا أحد يستطيع انكار ان أوروبا تمر بفجوة سياسية وإنسانية كبيرة، حيث إن قوانين الاتحاد الأوروبى تدعم حقوق الإنسان وترفض القتل وإراقة الدماء، لكن فى الوقت نفسه لا تستطيع تنفيذ تلك القوانين أو الوقوف مع الغضب الشعبى الدولى تجاه تلك المجاز ضد الفلسطينيين، وأصبحت على المحك خاصة مع الدعم الأوروبى الحكومى للاحتلال الإسرائيلي، حيث تقع فى مستنقع ازدواجية المعايير خاصة من الموقفين المتناقضين حرب أوكرانيا وحرب غزة.
وكان المجلس الأوروبى الفلسطينى للعلاقات السياسية قد اطلق قبل اندلاع هذه الحرب حملة «كن مؤثراً» التى تدعو إلى توعية الناخب للتصويت لداعمى حقوق الشعب الفلسطينى بانتخابات البرلمان الأوروبي. وتعمل هذه الحملة فى أكثر من محور منها من يعمل على زيادة الوعى لدى الناخب فى الانتخابات، ومنها التحرك وسط المرشحين للتأكيد على دعمهم للقضية الفلسطينية وكذلك مواجهتهم فى حالة عدم تنفيذ الوعود، وقد أثبتت هذه الحرب أهمية انطلاق الحملة وانتشارها وساعدت على وجود أدلة أحيت القضية الفلسطينية من جديد.
خلاصة القول، فإن حرب غزة سيكون لها تأثيرات كبيرة على انتخابات البرلمان الأوروبي، سواء من خلال تغيير مواقف الأحزاب والمرشحين أو عبر تحديد أولويات الناخبين وتوجهاتهم السياسية.