من أهم التحديات الوجودية التى تواجه الدولة المصرية، وتتطلب صموداً أمامها، وتؤثر على مسيرة البناء والتنمية وحلم التقدم، هو التداعيات والتأثيرات والظلال السلبية للأزمات والصراعات الدولية التى تزيد من آلام وأوجاع محدودية الموارد، وتفاقم انعكاسات النمو السكانى المرعب، لأنه ينال من حجم النجاحات والإنجازات التى تتحقق.. لأن مجابهة تداعيات الأزمات والصراعات والاضطرابات تجعل الدولة تتجه إلى حماية مواطنيها، وضخ ميزانيات إضافية للحماية الاجتماعية، وتعويض الفئات المتضررة والإنفاق على ما تخلفه هذه الأزمات من تأثيرات سلبية على المواطنين.
دعونا نتفق أن الرئيس عبدالفتاح السيسى ورث تركة ثقيلة من الأزمات والمشاكل المتراكمة على مدار عقود، ومعاناة عميقة واجهت هذا الشعب لأسباب كثيرة طرحناها فى أكثر من 13 مقالاً عقب المؤتمر الاقتصادي، أبرزها غياب شجاعة اتخاذ قرار الإصلاح، والهروب والتأجيل لهذا الإصلاح وهو ما أدى إلى تراكم المشاكل والأزمات وتفاقم المعاناة، تحت شعار الحفاظ على الاستقرار الذى وصف بأنه كان استقراراً هشاً، لكن من المهم أن نطرح تداعيات هذه الأزمات والصراعات والمشاكل التى واجهت مصر منذ يناير 2011 وصولاً إلى الاضطرابات الجيوسياسية فى الشرق الأوسط، والاضطرابات التى ألقت بظلالها على الجميع، وفى القلب منها مصر.. كالتالي:
أولاً: رغم الأزمات والمشاكل والمعاناة التى سبقت أحداث يناير 2011 إلا أن المخطط على مصر الذى انطلق ضمن الربيع العربى المزعوم كان يستهدف الإجهاز على الدولة المصرية وإسقاطها وتعرضت مصر لخطر داهم، وخسرت الكثير، وقدر حجم ما خسرته بحوالى 450 مليار دولار، بسبب التداعيات الاقتصادية الخطيرة للفوضى وغياب الأمن والاستقرار وأيضاً الضغط على موازنة الدولة، وزيادة المرتبات والأجور بسبب المظاهرات الفئوية وضعف يد الدولة وغياب هيبتها،.. وفى ظل توقف الإنتاج، والعمل والسياحة وهروب الاستثمارات، فلم يكن من الطبيعى هذه الزيادات مع عدم قدرة الاقتصاد الذى قارب على الانهيار، وبطبيعة الحال فإن تأثيرات الفوضى وتداعياتها ونتائجها، امتدت لسنوات طويلة.
ثانياً: بدأت الدولة المصرية تتنفس الصعداء مع نجاح رؤية الرئيس السيسى فى البناء والتنمية فى كافة ربوع البلاد، وبدأت مؤشرات النمو الاقتصادى تتجاوز الـ 6 %، قبل «كورونا» وبدأت الأزمات والمعاناة فى الاختفاء والتواري، مع انطلاقة الدولة المصرية فى مسيرة البناء والتنمية، لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، حيث حلت جائحة «كورونا»، لتحدث آثاراً وتداعيات سلبية ومؤلمة على الاقتصاد العالمي.. وبطبيعة الحال مصر جزء من هذا العالم، وساد الإغلاق وعزلة الدول التى أغلقت على نفسها فى ظل مخاطر جسيمة لهذا الوباء وهو ما أحدث اضطرابات فى سلاسل الإمداد والتوريد، وارتفعت كلفة الحصول على السلع الأساسية والاستراتيجية، وأيضاً توجيه ميزانيات هائلة للرعاية الصحية ورفع الاستعدادات القصوي، والتجهيزات فى ظل الانتشار المفزع للجائحة، وكذلك تخصيص ميزانيات ضخمة لتعويض المتضررين من عمال السياحة، والعمالة المؤقتة، وعمال اليومية والمنشآت المتضررة، وزيادة ميزانيات الحماية الاجتماعية مع تراجع معدلات النمو الاقتصادى فى ظل الجائحة العالمية.. ولكن ما يميز مصر فى هذه الفترة أن معدلات العمل فى المشروعات القومية العملاقة فى كافة المجالات لم تتأثر ولم تتوقف.
ثالثاً: تحدى الإرهاب والفوضي، الذى يعد من أخطر التحديات التى واجهت الدولة المصرية، واحتاج إلى قرابة 9 سنوات للقضاء على هذا الخطر الداهم، من أجل استعادة الأمن والاستقرار، وتهيئة المناخ والأرض لبسط التنمية والتقدم، وجذب الاستثمارات، وتمكين المواطن المصرى من حق العيش فى أمن وأمان واستقرار، وهذا التحدى كلف مصر ما يقرب من 100 مليار جنيه، وأيضاً أكثر من 3 آلاف شهيد وأكثر من 12 ألف مصاب.. لكن يحسب لـ «مصر ـ السيسي» أنها واجهت وانتصرت على الإرهاب منفردة دون مساعدة خارجية من أى دولة وبذلك، بدأت الدولة المصرية تحقق قفزات تنموية غير مسبوقة.
رابعاً: جاء اندلاع الحرب الروسية ـ الأوكرانية فى فبراير 2022 من أخطر التحديات التى واجهت العالم على كافة الأصعدة والمستويات، وجسدت الصراع القائم بين نظام عالمى قديم هو سبب مباشر لكافة الصراعات والتهديدات والنزاعات وغياب العدالة وازدواجية المعايير، والهيمنة، وسياسات الكيل بمكيالين، ونظام عالمى جديد يتطلع إلى الظهور، ينشد العدالة.. والأمن والسلام والمساواة، ومازالت رحى الحرب بين النظام القائم القديم، والجديد المتطلع للظهور قائمة، لكن الحرب الروسية ـ الأوكرانية التى مازالت تتصاعد، وتهدد أمن واستقرار العالم، وتنذر فى حال التهور والاندفاع إلى نشوب حرب عالمية ثالثة هى أخطر التحديات التى تواجه الاقتصاد العالمى لآثارها فى رفع الأسعار وتفاقم معدلات التضخم، وارتفاع فى أسعار الطاقة، والسلع الاستراتيجية والأساسية بسبب ارتفاع تكاليف التأمين، واضطراب سلاسل الإمداد والتوريد، وهو ما انعكس على جميع الدول، خاصة الدول النامية والاقتصادات الناشئة التى ضاعفت من مخصصات الكثير من بنود موازنتها من أجل الوفاء باحتياجات شعوبها، وواجهت الدولة المصرية تحديات اقتصادية شديدة الوطأة خاصة فى ظل ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية، وهو ما جعل الدولة توفر احتياجات المواطنين ليس بالأسعار العالمية، التى لا تتناسب مع ظروف وأحوال المواطن، وتراجع معدلات النمو وبالتالى أعباء كثيرة تحملها الاقتصاد المصرى ومازال.. وللحديث بقية.