ظل صعيد مصر لسنوات بل ولعقود طويلة يعانى من الاهمال والتهميش، ولن أبالغ إن قلت والنسيان أيضا، حتى جاء الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى أولى اهتماما بكل أبناء مصر بشتى المحافظات، وفى القلب منها الصعيد حيث امتدت إليه يد التنمية الشاملة فى شتى المجالات بهدف النهوض بمستوى أبنائه اقتصادياً واجتماعياً، حتى يصبح جاذبا للاستثمار وأرضا خصبة للعمل، الأمر الذى يحد من هجرة أبنائه سواء داخلياً أو خارجياً، لا سيما بعد تنفيذ العديد والعديد من المشروعات التنموية بمختلف محافظات الصعيد، وفى مقدمتها المشروع العملاق الذى يطلق عليه «المثلث الذهبي» باعتباره نقلة حقيقية وكبرى لأبناء الجنوب وتحقق حلما تأخر كثيراً.
نعم تشهد الدولة المصرية خلال الفترة الأخيرة ثورة تنموية هائلة من خلال تنفيذ العديد من المشروعات القومية الضخمة التى تستهدف دفع عجلة الاقتصاد وتحسين حياة المواطنين، وتُراعى معايير الاستدامة والحفاظ على البيئة. وكما ذكرت فى البداية تولى الدولة اهتماما خاصاً لتنمية الصعيد الذى عانى من الاهمال والتهميش لعقود طويلة على الرغم من أنه يزخر بالثروات الطبيعية الواعدة من موارد زراعية وطبيعية وتعدينية وبشرية.
ويُعد مشروع المثلث الذهبى أحد أهم المشروعات القومية ضمن رؤية مصر 2030، فهو يساهم فى تحقيق التنمية المستدامة للصعيد ضمن إطار إستراتيجية التنمية الشاملة للدولة، ويتضمن المثلث الذهبى المنطقة المحصورة بين محافظتى قنا من الجهة الغربية البحر الأحمر من الجهة الشرقية ومدينتى سفاجا والقصير شمالاً والقصير جنوباً «رأس المثلث مدينة قنا وقاعدته مدينتى سفاجا والقصير» ويُنفذ المشروع على 6 مراحل تسـتغرق المرحلة الأولى 5 سنوات، ويستغرق المشروع 30 عاماً للانتهاء منه بالكامل، وتبلغ مساحته حوالى 7000 كيلو متر مربع، ومن المقرر إنشاء عاصمة للمثلث الذهبى تبعد عن قنا بمسافة 100 كيلو متر باستثمارات 16.5 مليار دولار، ومن المتوقع أن يحقق عوائد تتراوح بين 6 و8 مليارات دولار سنوياً.
يهدف مشروع المثلث الذهبى إلى تنفيذ خطة متكاملة لتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية المتاحة بالمنطقة وايجاد مجتمعات عمرانية اقتصادية حديثة فى إطار إستراتيجية التنمية المستدامة 2030، حيث تستهدف مصر الانتقال إلى اقتصاد سوق منضبط يتميز باستقرار أوضاع الاقتصاد الكلي، قادر على تحقيق نمو احتوائى مستدام، يتميز بالتنافسية والتنوع ويعتمد على المعرفة والابتكار، ويكون لاعبًا فاعلاً فى الاقتصاد العالمي، مع إتاحة الفرصة لصغار المستثمرين للمشاركة فى الاقتصاد من خلال دمج القطاع غير الرسمى وتشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة على المشاركة عن طريق تبنى سياسات كلية وقطاعية داعمة للتشغيل والتركيز على القطاعات ذات القيمة المضافة ومنها القطاع الصناعي.
تعود البداية الحقيقية لانطلاق المشروع إلى يناير 2017، حيث تم إصدار قانون بإنشاء هيئة عامة اقتصادية مستقلة تسمى -الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية للمثلث الذهبي- تكون لها الشخصية الاعتبارية العامة، مقرها مدينة سفاجا بمحافظة البحر الأحمر، وتتبع رئيس مجلس الوزراء على غرار قانون الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بحيث تمتلك الهيئة صلاحيات وسلطات كاملة بكافة الأنشطة والمشروعات المقامة فى نطاق المنطقة دون تدخل من المحافظات التى تقع فى نطاقها تلك المشروعات وهذا يؤدى إلى جذب وتحفيز الاستثمارات وتهيئة كافة الأجواء الاستثمارية للمستثمرين.
وتكمن الأهمية الإستراتيجية لمشروع المثلث الذهبى فى كونه مدخلاً رئيسياً لحل مشكلة العلاقة بين النمو السكانى والحيز المكانى وتآكل الأراضي، والتى تعتبر من أهم مشاكل التنمية الإقليمية، إلى جانب استيعاب أعداد كبيرة من السكان حتى عام 2052، علاوة على كونه يتمتع بمنفذ واسع على البحر الأحمر «بين القصير وسفاجا» مما يعطيه نفاذية لدول الخليج وشرق آسيا وأفريقيا وكذلك قربه من منفذى أسوان البرى والنهرى يساعد على سرعة وسهولة اتصاله بوسط وجنوب القارة الافريقية.