شاهدت تقريراً على إحدى الفضائيات العربية عن مخيمات الأطفال الأيتام فى غزة والتى تكتظ بأعداد كبيرة من الأطفال الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم فى أحقر حرب إبادة عرفها التاريخ.. تلك الحرب القذرة التى شنها العدو الصهيونى المجرم على غزة وأهلها على مدى عامين كاملين تحت سمع وبصر العالم، ودعم ومساعدة أمريكا ودول أوروبية كثيرا ما صدعتنا بشعارات جوفاء عن حقوق الإنسان.
استمعت لبعض الأطفال الأيتام وهم يروون قصص فقدهم لآبائهم وأمهاتهم وهى قصص مؤلمة تمثل إدانة لكل الدول التى صمتت على جرائم العدو الأول للإنسانية.. هؤلاء الصهاينة الذين قتلوا وخربوا ودمروا بدم بارد.. دمروا وطناً وقتلوا أهله دون أن ينالوا عقاباً على ذلك.
ما رواه الأطفال اليتامى من قصص مأساوية لاستشهاد الآباء والأمهات يجب أن يدون ويوثق وينتشر بين شعوب العالم ليكون أدلة إدانة تاريخية لهذا الجيش المجرم وقياداته المتطرفة الذين أطلقوا أيادى القتلة لكى يفعلوا بالمدنيين فى غزة كل ما يحلو لهم.. وكانت المحصلة النهائية لذلك استشهاد ما يقرب من مائة ألف «100.000» وإصابة أكثر من نصف مليون، وتدمير كل مقومات حياة شعب قوامه ثلاثة ملايين يعيش من تبقى منهم على قيد الحياة الآن فى العراء دون أية خدمات أساسية.. ولايزال العدو الصهيونى المجرم يقتل ويدمر حتى اليوم بعد أن حصل على أسراه الأحياء والأموات..
> تقديرات المنظمات الدولية تشير إلى أن غزة تواجه اليوم أكبر أزمة أيتام فى التاريخ حيث عشرات الآلاف من الأطفال يعيشون بلا معيل، بلا بيت، بلا مدرسة، وبلا أى أفقٍ واضح لمستقبل آمن.
أطفال غزة لم يفقدوا فقط منازلهم، بل فقدوا الإحساس بالأمان، والأهل وكل ما كان يربطهم بالحياة ويبث فيهم الأمل فى مستقبل أفضل.. فقدوا الثقة فى كل قادة العالم الغربى الذى يدعى التحضر واحترام حقوق الإنسان.
أيتام غزة لهم خصوصياتهم فى اليتم والفقد والحرمان.. فإذا كان الطفل اليتيم فى المفهوم الإنسانى هو من فقد سندَه الأول.. فإن اليتيم فى غزة هو طفل فقد تاريخَه كله: الأب، والأم، والإخوة، والمنزل، والحي، والمدرسة، والذكريات.. الحرب لم تترك لهذا اليتيم الفريد فى يتمه شيئاً مما علق بذهنه، بل سحبت الأرض من تحت قدميه بالكامل ودمرت كل آماله وحولت حياته الى جحيم.
> منظمات حماية الطفل تؤكد أن الفقد المتكرر وغياب البيئة الآمنة يخلف صدمات نفسية عميقة.. واضطراب ما بعد الصدمة معروف للجميع وهو التبول اللاإرادي، نوبات الهلع، والشعور بالعزلة، الارتباك اللغوى والنفسى والعقلي، وانقطاع القدرة على تكوين ذكريات مستقرة.. هذه العلامات بات العاملون الإنسانيون يرونها يوميا عند أطفال المخيمات، وخاصة عشرات الآلاف الذين فقدوا الآباء والأمهات فى غزة.
نعود إلى حال المخيمات التى يعيش فيها يتامى غزة.. فهى مجرد مأوى بلا مقومات حيــاة ولا مقومات طفولة.. مجرد خيام متلاصقة متهالكــة فوق رمال خان يونس أو رفح أو دير البلح أو غيرها من مدن غزة المدمرة، يعيش آلاف الأطفال الأيتام فيها فى معاناة يومية.. فهى بلا مرافق رعاية، وبلا مراكز صحية.. هى مجرد مساحات ضيقة من القماش والبلاستيك المتهالك تحولت قسراً إلى منازل مؤقتة.
الطفل اليتيم وغير اليتيم فى غزة يقضى معظم وقته فى طوابير للحصول على بعض المياه، تطارده روائح الحمامات البدائية التى تتسرب منها مياه الصرف والروائح الكريمة، حيث تختلط بروائح طهى ما تيسر من الطعام على مواقد بدائية، وأصوات الطائرات، وصراخ الأمهات المكلومات.
فالمخيمات تفتقر إلى التغذية السليمة، بل التغذية الضرورية، وكثير من الأطفــال ينــامون جائعين أو يكتفون بوجبة واحدة بسيطة.
أيضاً.. الأطفال بلارعاية صحية ونفسية وتنتشر فى اجسادهم كل الأمراض.. أطفال فقدوا الآباء والأمهات فى مشاهد مأســاوية عاشــها الأطفال لا يجدون الدعم النفسى الذى يخفف عنهم وطأة ما عاشوه فى حرب الابادة الشاملة.
كان تعليم الأطفال فى غزة قبل الحرب بحالة جيدة.. وبعد الحرب لم يعد هناك تعليم بالمعنى الصحيح للتعليم.. ورغم أن المؤسسات التعليمية كانت قد نظمت محاولات للتعليم عن بعد إلا أن سوء المعيشة وعدم توافر وسائل الاتصال والتواصل أضعفت المنظومة التعليمية ووضعت أطفال غزة جميعاً فى مهب الريح.
> لقد كفلت اتفاقية حقوق الطفل (CRC) حالة حماية خاصة للطفل اليتيم وتلزم الاتفاقية الدول والأطراف المتحاربة بضمان حماية الطفل من العنف والقتل والاستهداف وتوفير الرعاية البديلة عند فقدان الأسرة وكفالة حقه فى الصحة والتغذية وحقه فى التعليم.. وأطفال غزة عموما محرومون من كل ذلك فى ظل الحصار الخالق الذى يفرضه الجيش الصهيونى على غزة حتى اليوم.. وفى ظل استهانة العدو الصهيونى المجرم بأرواح هؤلاء الأطفال الذين يقتلون بدم بارد يومياً دون أن تصدع منظمات المجتمع الدولى بإدانة ما يرتكب ضدهم من جرائم غير مسبوقة فى تاريخ الحروب.









