منذ أعلن الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء تلقى الحكومة مقترحات من متخصصين بتحويل الدعم من عينى إلى نقدى وأنه سيتم طرح الملف على الحوار الوطنى لمناقشته، والجدل مستمر، هناك من يؤكدون أهمية هذا التحول.. وأنه الأكثر فائدة للمواطن ولخزانة الدولة لأنه يضمن أن يذهب الدعم لمستحقيه بالفعل.
بينما فريق آخر يؤكد أهمية التأنى والدراسة المستفيضة للأمر، حتى لا يحرم مستحق من دعمه.
الجدل حول الفكرة فى حد ذاته مؤشر جيد ويؤكد أهمية الحوار حولها.. خاصة أن رئيس الوزراد تعهد بأن ما سينتهى إليه فى الحوار الوطنى سوف تتبناه الحكومة.
الأرقام تقول إن نحو 636 مليار جنيه فى الموازنة تخصص للدعم وحزمة الحماية الاجتماعية، منها ما يزيد على 298 ملياراً مخصصة لدعم السلع والوقود، ومنها 134 ملياراً لدعم السلع التموينية، لكن الحقيقة أن نسبة من هذا الدعم تذهب لمن لا يستحقون لأنها بلا معايير.. فهل ينجح الدعم النقدى فى حل المشكلة.
الدكتور وليد جاب الله الخبير الاقتصادى يرى ، إن التحول من الدعم العينى إلى الدعم النقدى لا يستهدف تقليص الدعم وانما هيكلته وضمان وصوله إلى مستحقيه.
وأضاف أنه رغم زيادة تخفيضات الدعم فى الموازنة الجديدة ، فإن قدرتها على تغطية الدعم النقدى محل شك فى ظل عدم وضوح الرؤية فى مسار التضخم العالمي، مما يدفع نحو اتخاذ إجراءات لترشيد الدعم، سيما وأن هناك جانبا من الدعم النقدى يذهب لغير المستحقين الفعليين.
ولفت إلى أنه من ذلك حصول المقيمين من غير المصريين على دعم للوقود والكهرباء التى تباع بأسعار مدعمة، وتسرب دعم الخبز لاستخدام جانب منه فى غير غرض الطعام، وحصول شرائح مجتمعية للدعم رغم عدم استحقاقهم له.
ولفت إلى أنه ينبغى أن تتجه الحكومة إلى التحول التدريجى من الدعم العينى إلى الدعم النقدي، بما يقصر الدعم على الشرائح المستحقة من المصريين، على أن يتحمل الأجانب والقادرون التكلفة الفعلية للسلع والخدمات المدعمة.
وتابع: أن قضية الاختيار ما بين الدعم العينى والدعم النقدى من القضايا التى تناولتها الكثير من الدراسات والأبحاث التى يجب البناء عليها ليتم تصميم برنامج للتحول نحو الدعم النقدى عبر حوار مجتمعى يناقش تلك القضية انطلاقا من الدراسات التى تناولت ذلك الموضوع فى ضوء البيانات المتوافرة عن ذلك الموضوع والتجارب الدولية فى هذا الشأن.
ونوه بأن دول العالم المتقدم مثل أمريكا تطبق الدعم النقدى عبر تقديم إعانات بطالة، كما يوجد تأمين صحى لكل المتعاملين، و أن مصر فى سبيلها إلى إعادة هيكلة الاقتصاد والدعم بدأت تطبيق التأمين الصحى الشامل.
وأشار إلى أن هناك تجارب دولية ناجحة فى الدعم النقدى مثل الولايات المتحدة وعربيًا سلطنة عمان، وكل دولة تطبق التجربة التى تتماشى مع اقتصادها.
على سبيل المثال، قامت سلطنة عمان بتوفير بطاقات للمواطنين للحصول على البنزين بسعر مخفض عن المقيمين، ونفس الحال فى الدول المتقدمة تقدم حزما نقدية للمواطنين.
تابع: أن بعض الدول الدعم العينى والنقدى معًا بنسب مختلفة لتتواكب مع ظروفها، كما أن مصر لديها تجربة فى تطبيق الدعم النقدى تطبق حاليًا فى معاشات تكافل وكرامة وكذا تم منح دعم نقدى للعمال غير المنتظمة فى فترة كورونا.
أشار أن ما تسعى إليه الحكومة حاليًا هو خفض الدعم العينى لصالح الدعم النقدى من خلال برنامج يتم الاتفاق عليه بين الحكومة والخبراء عبر الحوار المجتمعي.
وقال أن تطبيق الدعم النقدى مهم للغاية حاليًا حيث سيعمل على خروج نحو 10 ٪ على الأقل فى البداية من منظومة الدعم وهم الأجانب أو المقيمون فى مصر من العرب والأجانب حيث يصل عددهم وفق التصريحات الرسمية إلى نحو 9 ملايين فرد، فهم يحصلون على البنزين بالسعر المدعم والكهرباء أيضًا ويستخدمون المواصلات بالسعر المدعم أيضًا، ومن ثم يستخدمون التذاكر المدعمة فى مختلف المجالات.
وأضاف أنه مع بدء التطبيق غير النقدى سيتم استبعاد المصريين غير المستحقين، ومن المتوقع أن تبلغ هذه النسبة نحو 25 ٪، ولكن هذا لا يعنى أن الدولة ستقلل قيمة الدعم، بل تستطيع أن تزيد قيمته للمستحقين له والفئات الأولى للرعاية حال حدث ارتفاع فى الأسعار سواء محليًا أو عالميًا بدون الاقتراض.
و المحلل الاقتصادى محمد سعيد، إنه يمكن اعتبار مساعى تحول الحكومة إلى الدعم النقدي، خطة إيجابية، لأنه يمنع حصول أصحاب المخابز مثلا على بطاقات التموين من الأفراد والتصرف فيها كيفما يشاء، لأن الأفراد سيتعاملون مع بطاقة التموين حال تفعيل الدعم النقدى مثل كارت الائتمان البنكى «الفيزا كارت».
وهدف الحكومة من وراء خفض الدعم وتحويله إلى شكل نقدى هو لعلاج التشوهات فى الموازنة العامة للدولة، مشيرًا إلى أن قرارات خفض الدعم تعد طبيعية طالما تسير الحكومة وفق خطة إصلاح اقتصادي.
ومن جانبه، قال المحلل الاقتصادى الدكتور ياسر عمارة، إن السيطرة على الخلل الحاصل فى الدعم تتطلب أن يتحول إلى الشكل النقدى حتى يصل للفئات الأولى بالرعاية، خاصة أن الدعم العينى خلال الفترة الماضية كان بابًا خلفيًا للرشاوى والفساد وهو ما ظهر من خلال الجهود الكبيرة التى قامت بها هيئة الرقابة الإدارية.
وأضاف أن التحول إلى الدعم النقدى سيحفظ الأموال، لكن المخاوف من تطبيق الدعم النقدى هو تهديد معدلات التضخم وربما تقويض الجهود التى يقوم بها البنك المركزى المصري،ـ خاصة مع التصريحات الأخيرة بحصول الأسرة المكونة من 5 أفراد مثلاً على 5 آلاف جنيه.
و «عمارة» يرى أن الدعم النقدى هو الأفضل وهو ما برهنته تجربة «تكافل وكرامة»، لافتًا إلى أن المجتمع الدولى يتحول إلى الدعم النقدي، خاصة أن الدعم العينى يحدث خللاً فى الحسابات الختامية بالدولة.
تابع أن نتائج تفعيل الدعم العينى سيترتب عليها تحويل بدالى التموين إلى تجار أو أصحاب سوبرماركت، وهذا فى صالح المستهلك حيث سيترتب على ذلك منافسة المستفيد منها هو المواطن.
ومن جانبه قال الخبير الاقتصادى خالد الشافعي، إنه من الأفضل تطبيق الدعم النقدى لأنه يغلق الباب أمام تحايل بعض الأفراد للحصول على دعم غير مستحق، فضلاً عن أنه توجه عالمى مثل الحاصل فى أمريكا ودول أوروبية مثل إيطاليا، سواء فى العلاج أو الحصول على مواليد، وهو دعم عادل بخلاف العيني.
وأشار الشافعى إلى أن دعم السلع فى الموازنة العامة للدولة يبلغ نحو 8 ٪ من جملة المصروفات، وحال القضاء على ذلك سيسهم فى خفض المصروفات ويقلل من اقتراض الدولة، خاصة أن خدمة وأقساط الديون تستحوذ على 47 ٪ من مصروفات الموازنة للعام المالى المقبل.