استضافت منظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية بالقاهرة ندوة حوارية موسعة بعنوان “نحو مخرج آمن للسودان”، بمشاركة نخبة من المسؤولين العرب والسودانيين، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، وخبراء في الشأنين الإفريقي والعربي. وجاءت الندوة في إطار جهود المنظمة لدعم المسارات الرامية إلى إنهاء الحرب المستمرة في السودان منذ أكثر من عام ونصف، وما خلفته من تداعيات إنسانية وأمنية تهدد وحدة البلاد واستقرارها.
شارك في الندوة الدكتور عبدالحسين الهنداوي، مساعد الأمين العام لجامعة الدول العربية، وعدد من الوزراء السابقين ورؤساء الأحزاب والمفكرين والباحثين، إلى جانب قيادات سودانية مجتمعية وإعلامية وثقافية، وأدارت النقاشات الإعلامية أسماء الحسيني، نائب رئيس اتحاد الإعلاميين، في جلسة اتسمت بوضوح الرؤى وتنوع التحليلات.
دعوات لوقف الحرب واستعادة المسار السياسي
شهدت الجلسة الافتتاحية تأكيدًا على خطورة المرحلة التي يمر بها السودان بسبب استمرار التصعيد العسكري، وسط دعوات متواصلة لوقف فوري وشامل لإطلاق النار، وإطلاق مسار وطني جامع يهدف لإعادة بناء مؤسسات الدولة والحفاظ على وحدة البلاد. وأجمع المتحدثون على أن السودان يمر بأخطر لحظاته في تاريخه الحديث، وأن المسؤولية الملقاة على عاتق القوى السياسية والمجتمعية باتت أكبر من أي وقت مضى.
العرابي: الحل ينبغي أن يكون سودانيًا خالصًا… والقاهرة منصة للحوار
أكد السفير محمد العرابي، رئيس منظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية ووزير الخارجية المصري الأسبق، أن السودان يعيش لحظة حرجة تتطلب تحركًا عاجلًا ومسؤولًا من أبنائه. وشدّد على أن الحل الحقيقي للأزمة يجب أن ينبع من الداخل، وأن الشعب السوداني يمتلك القدرة على صياغة تسوية سياسية شاملة إذا توفرت له الفرصة الحقيقية للحوار.
وأوضح العرابي أن المنظمة تضع خبراتها وإمكاناتها لخدمة الجهود الرامية لوقف الحرب وإعادة بناء الثقة بين الأطراف السودانية، مؤكدًا أن القاهرة ستظل منصة مفتوحة لجمع الصف السوداني. ووصف الحرب بأنها “حرب عبثية” لم تحقق مكاسب لأي طرف، بينما دفع المدنيون الثمن الأكبر.
كما حذر من خطورة استمرار النزاع وما قد يسببه من مزيد من التفكك والتهديدات الإقليمية، داعيًا إلى توحيد المبادرات الإقليمية والدولية لضمان عدم تضارب المسارات المطروحة للحل.
إحسان والحلفي: وقف الحرب هو المدخل إلى السلام
أكد الدكتور محمد إحسان، السكرتير العام للمنظمة، أن وقف إطلاق النار يمثل المدخل الحقيقي لأي عملية سياسية ناجحة، مشيرًا إلى أن تجارب الشعوب تثبت أن الحروب لا تبني الدول بل تدمرها. وشدد على ضرورة حماية المدنيين وتهيئة بيئة سياسية آمنة بالتوازي مع إطلاق العملية السياسية.
أما الدكتور جاسم الحلفي، نائب رئيس المنظمة، فقدّم رؤية إنسانية عميقة مستندًا إلى رمزية رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” للطيب صالح، مؤكداً أن السودان يقف “بين ضفّتين” وأن عبور المستقبل يتطلب شجاعة اتخاذ قرار السلام. وأشار إلى أن تجمع الشخصيات السياسية والفكرية والعسكرية والإعلامية تحت سقف واحد دليل على قدرة السودانيين على الاجتماع رغم الأزمات.
واختتم كلمته ببيتٍ للشاعر محمد الفيتوري:
“أنا أفريقيا… أنا السودان
أنا من يبذل الجسدَ الطاهرَ كي يحيا الإنسان.”
جلسات نقاشية… حلول عملية ومقترحات واضحة
تخللت الندوة جلسات نقاشية معمقة تناولت جذور الأزمة وتطوراتها السياسية والإنسانية، وأجمع المشاركون على أن وقف الحرب هو الخطوة الأولى والأكثر إلحاحًا. وطرح المتحدثون مجموعة من المقترحات، أبرزها:
- إطلاق عملية سياسية شاملة تضم جميع الأطراف.
- تشكيل جبهة وطنية سودانية لصياغة رؤية إنقاذ وطنية.
- اتخاذ إجراءات لبناء الثقة وحماية المدنيين وتسريع وصول المساعدات الإنسانية.
- رفض التدخلات الخارجية المعرقلة للمشهد السوداني.
- وضع خارطة طريق تضمن عودة مؤسسات الدولة وتهيئة المناخ للانتقال السياسي.
ختام الندوة… دعوة لتحويل الحوار إلى خطوات عملية
اختتمت الندوة بالتأكيد على أهمية استمرار اللقاءات السودانية–السودانية في القاهرة أو أي منصة توفر بيئة آمنة للحوار، مع ضرورة تحويل التوصيات إلى خطوات عملية متراكمة تقود إلى وقف شامل للقتال وبدء إعادة إعمار الدولة. وأوضحت منظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية أن الندوة تأتي ضمن سلسلة مبادرات تهدف لتعزيز الدبلوماسية الشعبية ودعم السلام في السودان باعتباره جزءًا من الأمن الإقليمي الإفريقي–الآسيوي.
الخالد: الكلمة الصادقة جزء من المعركة من أجل سلام السودان
وفي تصريح خاص على هامش الندوة، أكد الأستاذ نزار الخالد، مساعد رئيس المنظمة للشئون الإعلامية والثقافية والعلاقات العامة، أن انعقاد الندوة في هذا التوقيت يعكس إدراك المنظمة لحجم المخاطر المحيطة بالسودان والمنطقة، مشيرًا إلى أن الإعلام والثقافة يشكلان خط الدفاع الأول في مواجهة خطاب الكراهية والانقسام.
وقال الخالد إن “الكلمة الصادقة اليوم جزء من المعركة من أجل سلام السودان”، مؤكدًا أن الإعلام الواعي قادر على إطفاء الحرائق لا إشعالها. كما شدد على أهمية تهيئة بيئة إعلامية متوازنة تساعد على بناء الثقة ونبذ خطاب الإقصاء، مشيرًا إلى استمرار جهود المنظمة في دعم الحوار السوداني–السوداني.
