عندما تسقط هيبة الأوطان تستباح حرماتها وتنتهك: أرضاً وعرضاً وكرامة وبشراً وحجراً، براً وجواً، هذا للأسف ما يقوم به الكيان الصهيونى الغاصب فى جنوب سوريا من توغل واعتقال وإقامة حواجز وتجريف أراض، وأخيراً جولة لرئيس وزراء الكيان المحتل ووزير حربه، وللأسف لا تسمع لمن كانوا يرددون: القدس طريقنا والشهادة فى سبيل الله أسمى أمانينا حساً ولا ركزاً، وكأنهم اختفوا من المشهد، أو صاروا فى عداد الموتي، أو أخنى عليهم ما أخنى على لِبَدِ، على حد مثلنا العربى «أَخْنَى عَلَيْهَا الَّذِى أَخْنَى عَلَى لُبَدٍ»، والأغرب والأدهى والأمرُّ من ذلك الخرس الذى أصاب لسان تلك القنوات والأبواق التى كانت تتشدق ليل نهار بإفساح الطريق لقهر العدو الغاصب، هذا الخرس الذى أصابهم فلا تسمع لهم حساً ولا تجد لهم نخوة ولا إباء، وكأنهم أسود علينا وعلى العدو نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر، ولمن كانوا يقولون افتحوا لنا الطريق لتأديب العدو نقول: لقد صار العدو فى مرمى أسلحتكم وأسلحة من دعمتم من رفاقكم، فهل جبنتم وجبن رفاق دربكم أم خانتكم هذه الأسلحة، كفاكم مزايدة ومتاجرة بقضايا الأوطان، ودعوا أمر هذه الأوطان لمن يعرفون قدرها ويحملون همها، ويؤمنون بأن الحفاظ على الأوطان جزء لا يتجزأ من مقاصد الإسلام، وليس حفنة تراب عفن كما قال أحد مرشديكم.
الوطن عز وتاج شرف على رءوس الوطنيّين الشرفاء يفتدونه بدمائهم وأعز ما يملكون، مدركين أن الشهادة فى سبيل الوطن من أرفع درجات الشهادة فى سبيل الله، يدركون ذلك حق الإدراك وليس مجرد شعارات ترفع، فإذا سقطت هيبة الأوطان انهار معها الأمن وذهب الأمان فلا حرمة لنفس ولا مال ولا عرض، بل هى الفوضي.
الشهادة فى سبيل الوطن هى شهادة فى سبيل الله، وقد أعلى ربنا عز وجل مكانة الشهداء ومنزلتهم، فقال سبحانه: «وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ـ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لَّا تَشْعُرُونَ «، وقال سبحانه : «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً ـ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ»، ويقول سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ـ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ـ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِى التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ـ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ـ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُم بِهِ ـ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»، ويقول سبحانه: «وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ»، صدقوا الله فصدقهم.
شتان من يضحون لأجل أوطانهم ومن يضحون بأوطانهم، شتان بين من يعملون لنصرة دين الله عز وجل ومن يتاجرون به.
يقول الحق سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ـ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ ـ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا ـ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ـ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ»، ويقول سبحانه: «مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ـ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ـ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً»، اللهم اجعلنا منهم، واحفظ مصر وأهلها من كل سوء ومكروه، واجعلها أمنا أمانا سخاء رخاء إلى يوم الدين.









