كنت فى السابعة من عمرى وكنا قد انتقلنا للإقامة فى محافظة دمياط منذ عدة أشهر عندما جاءت زميلة شقيقتى بالمدرسة لزيارتنا وكان للزيارة وقع مختلف حيث كانت بمثابة إعلان تكوين علاقات اجتماعية جديدة بعد تلك التى تركناها فى منزلنا القديم بمحافظة كفر الشيخ الأمر الذى وجدت معه فرصة لدعوتها لمشاركتى الاحتفال بعيد ميلادى الذى سيحل بعد عدة أيام.
فى الموعد المحدد صنعت أمى الكيك وقامت بتزيينه بنفسها لينتهى بها الحال إلى إعداد تورتة احتفال هى الأروع على مدار سنواتى الماضية ومازال مذاقها عالقاً بذاكرتى بما تحمله من تفاصيل رائعة أزعم أنها الوحيدة التى مازالت محفورة فى قلبى قبل عقلى لأنها كانت مليئة بالكثير من المشاعر الصادقة.
منذ أيام حل عيد ميلادى وتحول اليوم لمظاهرة من المحبة عبر منصات التواصل الاجتماعى عبرت عن مشاعر صادقة من أشخاص جمعتنى بهم علاقات طيبة على مدار سنوات طويلة ورغم حلاوة الكلمات التى جاءت مصحوبة ببعض اللقطات التى سجلت ذكريات خاصة مع من أقاموا تلك المظاهرة إلا أنها لم يكن لها نفس وقع احتفالى فى السابعة من عمري.
ما أرسله الأصدقاء من رسائل تهنئة ربما تماثل مع ما تم إرساله العام الماضى والذى سبقه ورغم حلاوة وقعها حينها إلا أن ذكراها تلاشت مع الأيام وأحداث الحياة حتى أننى لم أعد أذكر بعضها على الأقل ولم يعد لها تأثير إلا عندما تأتينى كذكريات على منصات التواصل الاجتماعي.
واقعة عيد ميلادى يماثلها الكثير من الأحداث فى الحياة جميعها تفتقد للمعنى الحقيقى للمناسبة فما المعنى أن تفقد عزيزاً عليك وتأتيك مئات الرسائل عبر تلك المنصات جميعها تقف عاجزة عن مواساتك وماذا يجدى إذا كنت مريضاً وتحتاج لمن يرعاك ويقتصر الأمر على مجموعة من الرسائل ربما يكون تأثيرها على الجانب النفسى عظيماً لكن عذراً هى لا تغنى ولا تحرك شيئاً فى المياه الراكدة وماذا سأجنى عندما يحل على العيد وأقضى أيامه ملتصقة بهاتفى للرد على جميع رسائل التهنئة التى وصلتنى حتى لا أغضب من أرسلوها.
من المؤكد أن للتكنولوجيا الكثير من الإيجابيات لكن ما لا يمكن إنكاره أن مساوئها قاتلة عندما جردتنا من الاحتفاظ بتفاصيل مختلفة فى مناسباتنا تجعلنا قادرين على مواصلة الحياة ..توقفوا عن ميكنة الاحتفالات وتفاصيلها وعيشوا لحظات مختلفة مع من تحبون ..اخرجوا لقضاء أوقات سعيدة بلا هواتف محمولة ..اذهبوا لزيارة بعضكم البعض واصنعوا ذكريات مختلفة لأوقات بلا هواتف ..تواصلوا مع عائلاتكم وأصدقائكم واستمعوا لأصوات من تحبون وشاركوهم أجواء مختلفة فى المناسبات والأعياد تحفظ لكم انسانيتكم قبل أن تتحولوا لآلات بلا مشاعر.