تحديات وجودية 2
تحدثت فى المقال السابق عن ثلاثة تحديات وجودية تواجه الدولة المصرية.. وهى محدودية الموارد.. والزيادة السكانية.. والتداعيات الاقتصادية للأزمات والصراعات العالمية والإقليمية وجميعها لها تأثيرات متشابكة ومرتبطة ببعضها البعض.. ولذلك لابد ان نواجه أنفسنا كشعب سواء فى امتلاك الفهم والوعى والإرادة لعبور هذه التحديات والبحث عن أسلوب حياة مختلف يفضى إلى الترشيد وعدم الهدر والتخلص من عادات وسلوكيات قديمة لم تعد تجدى نفعاً ومصارحة أنفسنا بالحقيقة وايجاد صيغة للتشاركية بين الدولة والشعب فى مجابهة التحديات.
عانت مصر طويلاً وكثيراً من معضلة محدودية الموارد.. والتى أحدثت فجوة عميقة بين الواقع والتطلعات وفاقمت الأزمات وسببت المعاناة على مدار عقود فى ظل ان الموارد لم تعد تكفى تلبية احتياجات وتطلعات الشعب خاصة فى ظل النمو السكانى المرعب على مدار عقود ماضية.
الرئيس عبدالفتاح السيسى رفض بشكل قاطع الاستسلام للظروف والتحديات أو الاستمرار فى سياسات المسكنات والتأجيل والترحيل.. التى أدت إلى تفاقم الأزمات وتراكم المشاكل وقرر أن يخوض معركة التحدى لايجاد الحلول وإنهاء التحديات وحل اشكالية محدودية الموارد.. وفق رؤية شاملة وأفكار خلاقة تعظم الموارد وتحولها إلى قيمة مضافة واستثمار المتاح والبحث عن موارد جديدة أو تهيئة أنسب الظروف لخلق مزيد من الفرص تستطيع ان تجلب موارد خدمية خاصة انه امتلك التشخيص الدقيق والشامل لظروف مصر وتحدياتها.. وصارح بها شعبه منذ الوهلة الأولى لبداية حكمه ولم يخف شيئاً عن المصريين ولكن طالبهم بالعمل والصبر لأنهما السبيل الوحيد للخروج من نفق الأزمات والتحديات إلى الضوء الكبير والنجاحات والإنجازات.. وتضمنت رؤيته العديد من النقاط التى تحقق تلك الأهداف وأبرزها الآتي:
أولاً: الرئيس عبدالفتاح السيسى أدرك منذ اللحظة الأولى ان قضية تأجيل التصدى للتحدى وترحيل الأزمات أو اللجوء إلى المسكنات سوف يزيد الأمور تفاقماً ولم تكن هناك رفاهية الاختيار أو الأولويات.. فالبلاد والعباد أصبحوا فى وضع شديد الدقة من معاناة عميقة فى بلد أوشك على الانهيار والضياع.. لذلك قرر أن يخوض وبشكل شامل ملحمة الإصلاح والبناء والتنمية فى كافة المجالات والقطاعات وفى مختلف ربوع البلاد سواء فى مشروعات صناعية وزراعية وإنتاجية عملاقة أو الارتقاء بالخدمات المقدمة للمواطنين أو إعداد وبناء الدولة للانطلاق نحو المستقبل وامتلاك الفرص وجذب الاستثمارات.
ثانياً: وصلت البنية التحتية والأساسية فى مصر لمرحلة لا نستطيع من خلالها بأى حال من الأحوال بناء دولة حديثة وعدم القدرة على تمكينها من امتلاك الفرص وجذب موارد جديدة مثل تدفق الاستثمارات.. لذلك وضع الرئيس السيسى على قائمة أولوياته.. تحديث وتطوير البنية التحتية المصرية.. لتكون بنية تحتية عصرية توفر مقومات العمل والإنتاج وجذب الاستثمارات العملاقة.. من هنا جاءت الطرق الحديثة والتوسع العمرانى ونجحت مصر فى مضاعفة مساحة العمران التى لم تكن تزيد على 7 ٪ قبل الرئيس السيسى ثم إقامة المدن الجديدة.. وسرعة وسهولة الوصول إلى التوسع العمرانى والمدن الجديدة من خلال طرق عصرية تخلق مجتمعات عمرانية وزراعية وصناعية حولها وتنشط حركة التجارة الداخلية وتشجع الاستثمار الأجنبى أو القطاع الخاص.
ثالثاً: الرئيس السيسى هو أول رئيس مصرى يمنح أولوية قصوى للاستثمار فى الموقع الجغرافى المتميز والذى يربط الشرق بالغرب وتعد مصر هى قلب العالم وجزءاً هو الأهم من حركة التجارة العالمية وتجارة اللوجستيات.. لذلك نشهد أكبر حركة تطوير وتحديث وتوسعة للموانئ المصرية على البحرين المتوسط والأحمر.. ليس هذا فحسب ولكن ربط هذه الموانئ بشبكة مواصلات حديثة مثل القطار السريع وأيضاً قناة السويس والموانئ الجافة ليصبح نصيب مصر من حركة التجارة العالمية يليق بمكانتها وموقعها الإستراتيجي.. ولعل حصاد هذا التطوير بات واضحاً.. خاصة فى تقدم ترتيب الموانئ المصرية.. أو تهافت الشركات العالمية للعمل مع مصر.
أيضاً البنية التحتية العصرية وما خلفته من فرص ثمينة وغزيرة هى أهم أسباب دخول مصر عصر الاستثمارات الكبرى والضخمة ووجودها على رأس القارة الأفريقية فى جذب الاستثمارات واحتلال مركز عربى مهم وغير مسبوق.. وما نراه فى الاستثمار الأضخم فى تاريخ مصر وهو تطوير مدينة رأس الحكمة بشراكة مصر- إماراتية نموذج لهذا النجاح فى تطبيق الرؤية الرئاسية بإعداد مصر لجذب أكبر الاستثمارات وبالتالى حصد موارد جديدة لم تكن موجودة من قبل.
رابعاً: شجاعة رؤية الإصلاح التى تبناها الرئيس السيسى جلبت الكثير من الموارد والبناء على هذا الإصلاح.. فعلى سبيل المثال الإصلاح فى قطاع الزراعة والذى بدأ فى ايقاف نزيف الرقعة الزراعية والتعدى على الأراضى الزراعية الأكثر خصوبة ليس هذا فحسب.. ولكن زيادة الرقعة الزراعية واضافة 4 ملايين فدان بنهاية العام القادم.. وضخ 4.5 مليون فدان فى 2027 رغم محدودية الموارد المائية المصرية التى لم تزد وتقتصر على 55 مليار متر مكعب من مياه نهر النيل ورغم ذلك مع النمو السكانى المرعب نجحت مصر فى الاستغلال الأمثل لكل قطرة مياه وإضافة 4 ملايين فدان للرقعة الزراعية من خلال استخدام نظم الرى الحديث.. وكذلك الاتجاه إلى ايجاد بدائل للمحاصيل الزراعية التى تحتاج إلى مياه كثيرة مثل قصب السكر والتوسع فى زراعة البنجر هذه هى الرؤية الشاملة والفكر الخلاق الذى صنع الفارق وأحدث قفزات غير مسبوقة فى مجال الزراعة حيث وصلت صادرات مصر الزراعية سواء الطازجة أو المصنعة لتحقق عوائد تقترب من 9 مليارات دولار والتصدير لـ160 سوقاً فى العالم وتؤمن بنسبة كبيرة الأمن الغذائى فى مصر وهو أحد أهم مكونات الأمن القومى وهناك المزيد من العوائد فى المستقبل القريب نتيجة التوسع الزراعى الأفقى والرأسى وهو ما ينعكس على زيادة المساحات المنزرعة بالمحاصيل الإستراتيجية مثل القمح والمحاصيل التى تدخل فى صناعة الزيوت مثل الذرة الصفراء وعباد الشمس وفول الصويا وهو ما يتسق مع رؤية الدولة وأهدافها الإستراتيجية فى خفض فاتورة الاستيراد وتعظيم التصدير وبالتالى هو من الحلول الخلاقة التى تحول الأزمات إلى إنجازات والمحن إلى منح وتوجد موارد إضافية وتحقق أهداف الدولة فى ايجاد فرص عمل مباشرة وغير مباشرة واستقرار الأسواق.
خامساً: لك ان تتخيل ان هناك مناطق فى مصر كانت تشكل لمصر خطراً داهماً ومعاناة كبيرة نتيجة التهميش والتجاهل وعلى سبيل المثال أسوق ثلاثة نماذج مثل سيناء والصعيد والمناطق التى كانت عشوائية وتم تحويلها إلى مناطق حضارية هذه المناطق التى شهدت ملاحم للبناء والتنمية تحولت إلى مناطق ذات فرص ثمينة.. سيناء تتحول إلى مركز صناعى وزراعى واستثمارى عالمى بفضل رؤية الرئيس السيسى لتعمير وتنمية سيناء وهناك ملحمة فى التهيئة لاستثمارات عالمية بعد ما تشهده أرض الفيروز من تنمية وتطوير سيناء ومطار العريش والطرق والأنفاق أسفل قناة السويس ثم الصعيد الذى كان يعانى من هجرة أبنائه سواء للقاهرة والإسكندرية أو إلى خارج مصر خاصة الخليج.. أصبح بعد أكبر عملية بناء وتنمية جاذباً للاستثمارات وهناك استثمارات فى مجال توليد الطاقة من الرياح فى سوهاج باستثمارات 10 مليارات دولار وفى محافظات كثيرة ثم المناطق التى كانت عشوائية أصبحت مصدراً لجذب الاستثمارات وبناء الفنادق العالمية من فئة الخمس نجوم مثل ماسبيرو وسور مجرى العيون.. هذه هى الرؤية والأفكار الخلاقة وعلينا أيضاً ان ندرك كيف عانت مصر من أزمة الطاقة وتحولت المحنة إلى منحة فى عهد الرئيس السيسى وأصبحت مصر مركزاً إقليمياً لتجارة وتداول الطاقة.. وللحديث بقية.