على مدى 41 عاماً تتلمذت واستمعت وعاصرت العشرات من اساتذة وخبراء وعلماء الاقتصاد. فى كلية التجارة بجامعتى عين شمس والإسكندرية تتلمذت على يد الأساتذة على لطفى وعبدالمنعم راضى وإبراهيم الليثى ومحمد حامد دراز، وحين التحقت بقسم الاقتصاد بـ»الجمهورية» حضرت مئات المؤتمرات والندوات واللقاءات وأجريت حوارات فى مصر وخارجها، شارك فيها خبراء على درجة كبيرة من العلم والخبرة أمثال د.عاطف صدقي، ود.يسرى مصطفي، ود.صلاح حامد، ود.محمد الرزاز، ود.على نجم، ود.حازم الببلاوي، ود.أحمد جلال ود.محمد العريان، ود.عبدالشكور شعلان وغيرهم الكثير. كل هؤلاء كانت لهم أفكار ورؤى اقتصادية مختلفة واجتهادات خاصة، إلا أن فكرة واحدة كانت تجمعهم جميعاً، ورأى واحد كانوا يجتمعون عليه، وهو أن ملف الدعم هو أصعب وأعقد المشاكل التى تواجه الدولة المصرية، لأن استمراره بنفس الوضع يمثل عبئاً متزايداً على الموازنة العامة، ووصوله إلى مستحقيه يتطلب جهداً فائقاً، وحماية موارده ومخصصاته من التسرب والفساد يحتاج لمنظومة شديدة الرقابة والإحكام.
وكانوا يقولون إنه لا يمكن لدولة تبحث عن التقدم والانطلاق وكل إيراداتها تتوزع بين ثلاثة بنود هى خدمة الدين والأجور والدعم، ولا يبقى ما يكفى للتنمية أو تطوير المرافق والخدمات التى تقدمها للمواطنين.
وكانوا يرددون أن كل الدول تقدم الدعم للفقراء ومحدودى الدخل بطرق مختلفة، لكن لايوجد دولة فى العالم يمكن لميزانيتها أن تضمن وظيفة فى جهازها الإدارى لكل الخريجين، وأن توفر المخصصات لدعم الوقود والكهرباء والمياه والتعليم والصحة والمواصلات والخبز والأرز والزيت والسكر والشاى وغيرها من السلع والخدمات.
رغم هذا الاتفاق فى الرأي، لم يمتلك أى مسئول الجرأة والشجاعة على الاقتراب من ملف الدعم، لأنه يعلم أن التعامل بموضوعية مع هذا الملف الشائك إما أن يهدد منصبه أو ينتقص من شعبية القيادة السياسية، ومن الأفضل أن يبقى الوضع على ما هو عليه. حتى جاء الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يؤمن بأن المصارحة والمكاشفة هى أقصر الطرق لاكتساب ثقة الشعب، وأن بناء دولة حديثة ومتقدمة لا يكون إلا باقتحام كل الملفات الشائكة والتعامل معها بموضوعية كاملة. وتم بالفعل فتح ملف الدعم بعد إعداد قاعدة بيانات إلكترونية متكاملة عن مستحقيه، وتم تدريجياً تحريك أسعار الوقود ثم الكهرباء والمياه والمواصلات حتى جاء الدور على رغيف الخبز الذى لم يتحرك سعره منذ 30 عاماً.
وبعيداً عن المزايدات والحملات التى شنتها اللجان الإلكترونية للمغرضين، رأى البعض أن سعر رغيف الخبز كان يجب أن يظل ثابتاً خلال هذه الفترة التى شهدت ارتفاعات متتالية فى أسعار السلع الأساسية، لكن الغالبية رأت أن فتح ملف الرغيف المدعم قد تأخر 30 عاماً، وأن تأجيل المشاكل يتسبب فى تفاقمها، وأنه قد آن الأوان لحل كل المشاكل التى تأجلت لعشرات السنين.
ورغم الضجة التى حاول البعض إثارتها، إلا أن الحقيقة تقول إن تحريك سعر الرغيف أو ترشيد الدعم وضمان وصوله لمستحقيه ودراسة تحويل الدعم العينى الى دعم نقدي، كل هذا لا يعنى تخلى الدولة عن دورها فى مساندة المواطن محدود الدخل، بل حرص القيادة السياسية على أن يصل هذا الدعم لمن يستحق، وترشيد الموارد والمخصصات لتطوير المرافق وتقديم خدمات مثل الصحة والتعليم بشكل أفضل.
والحقيقة تقول أيضا إن أكثر من نصف إيرادات الدولة المتوقعة بالموازنة الجديدة للعام المالى المقبل 2025/2024، تم تخصيصها للإنفاق الاجتماعى على الدعم والحماية والاجتماعية، والتنمية البشرية بمحوريها: الصحة والتعليم. وأن مخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية فى موازنة العام المالى الجديد ارتفعت الى أكثر من 635.9 مليار جنيه مقارنة بـ 532.8 مليار جنيه تقديرات متوقعة للعام المالى الحالى 2024/2023 بمعدل نمو 19.3 ٪، وأن إجمالى دعم السلع بالموازنة الجديدة بلغ 298 مليار جنيه، منها: 134.2 مليار جنيه لدعم السلع التموينية مقارنة بـ 127.7 مليار جنيه خلال العام المالى الحالى بمعدل نمو سنوى 5.1 ٪، و154.5 مليار جنيه لدعم المواد البترولية مقارنة بـ 119.4 مليار جنيه بنسبة زيادة 29.4 ٪.
لقد كان الرئيس السيسى منذ بداية عهده واضحاً وصريحاً مع الشعب، فهو يجتهد لتشييد دولة تقام على أسس سليمة وقواعد ثابتة، وهو يؤمن بأن الدول القوية لا تبنى بالشعارات والخطب الرنانة ولكن باقتحام المشاكل وحلها قبل أن تتفاقم.