اعتقال العشرات من كبار المسئولين فى الهستدروت.. وإستقالة رئيس الموساد.. ونتنياهو يطلب عفو رئاسى
بقلم السفير: عاطف سيد الأهل
مازالت إسرائيل تعيش حالة مخاض سياسى وأمنى ما بعد صدمة السابع من أكتوبر 2023 حتى الآن.. فالانقسامات مستفحلة داخل المجتمع الإسرائيلى، والديمقراطية التى طالما تشدقت بها إسرائيل أصبحت محل شك، والاتهامات بين طوائف الأحزاب تتصاعد بشكل غير مسبوق، والتدخل الأمريكى فى الشئون الداخلية الإسرائيلية حولها إلى دولة تابعة لواشنطن وتحت الوصاية الأمريكية حسب رأى المعارضة، وتصريح البروفيسور الإسرائيلى يوسى شاين– أستاذ العلاقات الدولية فى جامعة تل أبيب، وهجوم حماس على إسرائيل قبل سنتين – سواء اتفقنا معه أو اختلفنا – نصف القناعة التى تم الترويج لها أن الحركة تردعها المخاوف من الدخول فى مواجهة مباشرة مع إسرائيل، فضلا عن إخفاق أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية فى إصدار أى تحذير مسبق عن الهجوم.
انسحبت الأحزاب الحريدية «شاس ويهودية التوراة» من الوظائف الحكومية بطلب من مجلس حكماء التوراة اعتراضاً على عدم إصدار الحكومة قانوناً يعفى الحريديم من التجنيد، كما أنها مازالت تقاطع التصويت على القوانين التى تقدمها الحكومة.
> يدرس حزب الليكود مشروع قانون لعرقلة الأحزاب المتقدمة في استطلاعات الرأي خاصة الحزب الجديد لنفتالي بينت – رئيس الوزراء الأسبق – في الانتخابات المقبلة نظراً لارتفاع أعداد مؤيديه، وذلك تحت دعوي أن من شغل منصب رئيس حزب في إسرائيل خلال السبع سنوات الماضية ويسعي لترشيح نفسه مرة أخري علي رأس قائمة جديدة سيكون ملزماً بسداد ديون حزبه السابق، خاصة أن نفتالي بينت كان رئيساً لحزب يمينا المثقل بالديون البالغة 20 مليون شيكل، ويجب بموجب المشروع المقترح أن يسدد هذه الديون من الأموال التي سيتلقاها حزبه الجديد «بينت 26» فضلاً عن سداد مبلغ تسوية سابقة في قضية تشهير تعود لعام 2020 ضد بن جفير تتضمن دفعه 35 ألف شيكل.
وقد رد بينت علي ذلك المقترح بأن حكومة نتنياهوفاشلة، منشغلة بالبقاء الشخصي والسياسي، تخشي مواجهته، وتحاول تمرير قانون غير ديمقراطي وشخصي وغير دستوري.. وهدد بأنه في حال نجاحه في الانتخابات المقبلة المقررة اكتوبر 2026 – سيطالب بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في إخفاقات 7 أكتوبر.
وفي موضع آخر ذكر أن سياسة نتنياهو أدت إلي عزلة إسرائيل في العالم الغربي، وتدهور مكانتها، وانها خسرت الحزب الديمقراطي الأمريكي ونصف الحزب الجمهوري، وأصبحت أقل استقلالية وشبه دولة تابعة للولايات المتحدة، أضاف أن الاعتماد المفرط علي ترامب خطأ إستراتيجي رغم تقدير دوره، وأنه في حالة عودته للحكم سيصدر قانوناً ألا تتعدي مدة حكم رئيس الوزراء دورتين.
لجنة التحقيق الرسمية
بنيامين نتنياهو الذي أعلن عن ترشيح نفسه لرئاسة الوزراء للمرة السابعة في الانتخابات المقبلة، واستمر في رفضه تشكيل لجنة تحقيق رسمية في إخفاقات 7 أكتوبر علي مدي عامين تحسباً من أن تعرقل مخرجاتها استمراره في الحكم، لجأ إلي ياريف ليفين وزير القضاء – تحت ضغط المحكمة العليا الإسرائيلية التي منحت الحكومة في 15 أكتوبر 2025 مدة شهر لتقديم تحديث عن مصير لجنة التحقيق – لتشكيل لجنة وزارية لتحديد صلاحيات اللجنة التي ستتولي التحقيق والتفويض الممنوح لها، وبدوره عين ياريف كلاً من الوزراء: سموتريتس، وبن جفير، واوريت ستروك، وعميحاي الياهو، وآفي ديختر، وجيلا جملئيل، وعميحاي شيكلي،وجدعون ساعر في 17 نوفمبر 2025 لتقديم توصياتهم خلال 45 يوماً، وهو ما يخالف القواعد المعمول بها حيث إنها لجنة مشكلة من وزراء متطرفين، كانوا جميعاً في الحكم أثناء حدوث واقعة 7 أكتوبر، أي أنها بمثابة لجنة تبرئة، فمن سيخضعون للتحقيق هم من سيحددون صلاحية لجنة التحقيق.
إضافة إلي ذلك يسعي نتنياهو لتقييد صلاحية لجنة التحقيق المزمع تشكيلها بحيث يقتصر عملها علي إصدار توصيات مؤسسية وإصلاحات هيكلية دون التطرق إلي إصدار توصيات ضد أفراد، وذلك علي عكس ما جري في جميع اللجان الـ 16 التي شكلتها إسرائيل منذ صدور قانون لجان التحقيق في 1968 والتي أدت نتائجها إلي استقالات كبار مسئولين مدنيين وعسكريين في إسرائيل.
هاجمت أحزاب المعارضة قرار تشكيل اللجنة الحكومية مشيرة إلي أنها تهدف إلي التستر علي أحداث 7 أكتوبر وإنقاذ نتنياهو.
استقالة رئيس الموساد
أعلن رئيس الموساد ديفيد برنياع عدم استمراره في منصبه الذي قضي فيه 5 سنوات، والذي ينتهي رسميا في يونيو 2026 حيث كان يشغل أيضاً رئيس اللجنة المشتركة للأجهزة الأمنية الإسرائيلية المعنية بملفات قطاع غزة والضفة الغربية أثناء إخفاق 7 أكتوبر، وذلك علي الرغم من دوره في إعادة هيكلة الموساد، وتوسيع استخدام التقنيات المتطورة في الجهاز، ونجاح الموساد في عمليات الاغتيالات لكوادر حزب الله وإيران.
قضية ما يسمى «مصافحة اليد»
احتل أيضاً موضوع اعتقال الشرطة عشرات من كبار المسئولين في الهستدروت «أكبر اتحاد عمالي في إسرائيل» وعلي رأسهم رئيس الهستدروت انون بار دافيد وحرمه هيلا كاننيستر بار دافيد ونحو 350 شخصاً في أكبر فضيحة فساد ورشوة وغسيل أموال وخيانة أمانة مقابل الترويج لمصالحهم وتحقيق أرباح ببيع أصول تابعة للاتحاد بملايين الشواكل والحصول علي عائد البيع عبر وسطاء وامتدت الشبهات إلي وزراء في الليكود منهم وزراء الخارجية، والثقافة والرياضة، والاتصالات، والقضاء، والتعاون الإقليمي، والطاقة، ومسئولو المحليات.
كما أن هناك احتمالات بتحويل مستشار الأمن القومي الذي عزله نتنياهو مؤخراً تساحي هانجبي بسبب خلافات حول حرب غزة، إلي القضاء في قضية رشوة أيضاً.
قضية إصدار عفو رئاسى عن نتنياهو
أثيرت مرة أخري نتيجة الطلب الذي قدمه ترامب إلي الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هيرتزوج، إلا أنه وفقاً للقواعد يتطلب أن يقدم المتهم طلباً للعفو والإقرار بالذنب، كما أن العفو الرئاسي في هذه المرحلة غير ممكن نظراً لأنه يصدر إما قبل البدء في إجراءات الاستجواب أو بعد النطق بالحكم، لأن نتنياهو مازال في مرحلة الاستجواب، وقد سبق ذلك محاولات فاشلة للعفو والاعتراف بالذنب شارك فيها رئيس المحكمة الإسرائيلية العليا نظراً لرفض نتنياهو التقدم بطلب قد ينهي مسيرته السياسية.
وفي محاولة غير مسبوقة، ناقشت اللجنة الوزارية للتشريع في 26 أكتوبر مشروع قانون يقضي بتجميد الإجراءات القانونية ضد نتنياهو في خطوة اعتبرتها نقابة المحامين الإسرائيلية انتهاكاً خطيراً للقانون.
ومن جانب آخر أعد الكنيست الإسرائيلي قراراً بتقسيم منصب المستشارة القضائية للحكومة إلي منصبين: مستشار قضائي، ومدعي عام، بحيث يتم إبعاد مستشارة الحكومة عن مسائل الاتهامات، ويتولاها المدعي العام، خاصة أن المستشارة علي تعارض تام مع حكومة نتنياهو، وهناك رغبة في استبعادها.
رغبة نتنياهو في تعديل نسبة الحسم في الانتخابات البرلمانية: نسبة الحسم هي النسبة التي يجب أن يحصل عليها أي حزب من إجمالي الأصوات للحصول علي مقاعد في الكنيست، والنسبة الحالية هي 3,25 ٪ وهي تعادل 4 مقاعد في الكنيست. وتم تحديد هذه النسبة بناء علي عدد السكان، ففي البدايات الأولي كانت النسبة في الكنيست الأول 0,83 ٪، ثم ارتفعت تدريجياً حتي وصلت إلي النسبة الحالية منذ عام 2015.
أظهرت عدة استطلاعات للرأي أن هناك بعض الأحزاب لم تصل إلي النسبة المطلوبة مما يؤشر علي احتمالية عدم نجاحها في الانتخابات المقبلة ومنها حزب الصهيونية الدينية لسموتريتش، وحزب كاحول لافان لبيني جانتس، وحزب بوعاز هندل الجديد وفي إطار استعداد نتنياهو للسيناريوهات المحتملة في الانتخابات المقبلة والحفاظ علي مسانديه من الأحزاب الدينية المتطرفة يدرس نتنياهو تخفيض نسبة الحسم خلال الدورة البرلمانية الحالية.
وفي تقرير غير رسمي لمراقب الدولة الإسرائيلي «وهو منصب مراقب ومراجع سياسات وعمليات الحكومة، ومسئول أمام الكنيست وحده» انتقد غياب رؤية إستراتيجية بعيدة المدي لدي القيادة السياسية في إسرائيل، وتقصير مجلس الأمن القومي منذ إنشائه في تقديم تصور محدث للأمن القومي مما يعكس تقصيراً في أدائه في بلورة السياسات الأمنية للدولة، وفشل المستوي السياسي في ضمان استعداد الدولة للتحديات الأمنية المتغيرة.
لم يكن قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2803 الصادر في 18نوفمبر الجاري بشأن إقرار الخطة الأمريكية في قطاع غزة بمعزل عن الجدل السياسي والإعلامي في إسرائيل فقد وصفه الإعلام العبري بأنه أكبر انتكاسة لليمين الإسرائيلي حيث يقضي علي مطالبه الأساسية الداعية إلي احتلال قطاع غزة وضم الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين فضلاً عن أنه يشير إلي مسار محتمل لتقرير مصير الفلسطينيين وإقامة الدولة الفلسطينية في حال قيام السلطة الفلسطينية بالإصلاحات المطلوبة..وركزت جميع ردود الفعل من حكومة ومعارضة علي أنه لن يكون هناك مسار لإقامة دولة فلسطينية.
فقد أكد بن جفير في لقائه مع أعضاء حزبه رفضه القاطع لإقامة دولة فلسطينية، منوها أنه لاحصانة لرئيس السلطة أو قيادتها، وفي حال أقدمت إسرائيل أو الأمم المتحدة علي هذا الاعتراف فيجب إصدار أوامر بتنفيذ عمليات تصفية بحق مسئولي السلطة واعتقال رئيسها في سجن كتسعوت.
بينما وصف ليبرمان القرار بأنه يعكس إدارة فاشلة من حكومة إسرائيل ويؤدي إلي إنشاء دولة فلسطينية، وأنه صفقة تصفية لأمن إسرائيل.. مشيراً إلي أن خريطة الشرق الأوسط تتغير لكنها ليست لصالح إسرائيل..في حين هاجم يائير لابيد زعيم المعارضة الحكومة الإسرائيلية التي وصفها بأنها الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل والتي قبلت رغم ذلك بالقرار تحت ضغط أمريكي وتخلت عن الضفة الغربية، وأن ما حدث هو خطأ إستراتيجي فادح.
في التقدير يحاول نتنياهو تعزيز رواية الانتصار حيث يعيد تسمية الحرب من السيوف الحديدية إلي حرب انبعاث «وجود أو ولادة جديدة لدولة إسرائيل» وأنه حقق كل أهدافه من الحرب ويدير الدولة بما يتناسب مع طموحاته في الاستمرار لأطول فترة ممكنة في الحكم والسيطرة علي السلطة التنفيذية وتقليص دور الجهاز القضائي وعدم اللجوء إلي تحقيق رسمي يمس تاريخه أو اسمه، ولا يجد الشعب الإسرائيلي بديلاً له في ضوء الضعف الحاد للمعارضة الإسرائيلية وعدم قدرتها علي خلق البديل، الأمر الذي يذكرنا بمقولة ديفيد بن جوريون أنه كان يعلم أن شارون كذاب ولكنه يحتاج هذا الرجل في القتال.









