فى حضن البحر الأحمر، حيث تلتقى زرقة المياه بخشونة الجبال، ترقد الحمراوين قرية مصرية كانت يوما قلباً نابضاًَ للاقتصاد الوطنى وميناء إستراتيجياً لتصدير الفوسفات المصرى إلى أسواق العالم، إنها ليست مجرد نقطة على الخريطة، بل رمز لحقبة ازدهار وذاكرة وطنية تختزن عبق المجد الصناعى والتاريخي. من هنا، من هذا الشاطئ الهادئ شمال مدينة القصير، انطلقت السفن المصرية تحمل خام الفوسفات إلى أوروبا وآسيا، لتؤكد أن مصر بلد الثروات التى لا تنفد، كانت القرية تضج بالحياة عمالاً ومهندسين وتجاراً، وأسراً جاءت من كل محافظات مصر لتشارك فى صناعة وطنية رفعت اسم البلاد عالياً. ومع مرور الزمن، تبدلت الأحوال حيث تراجع النشاط التعديني، وظهرت موانئ جديدة أكثر تطوراً، فتراجع دور الحمراوين تدريجياً، حتى تحولت القرية إلى شاهد صامت على مجد غابر، هجرها معظم سكانها بحثا عن فرص عمل، وبقى ميناؤها التاريخى يروى للأمواج حكاية زمن كان فيه مركزاً اقتصادياً نابضاً يضاهى كبرى الموانئ. لكن رغم الصمت، «الحمراوين» لم تمت، فكل شبر فيها يختزن فرصة، وكل جبل يضم ثروة، موقعها الفريد على البحر الأحمر يجعلها جسراً إستراتيجياً بين صعيد مصر وساحلها الشرقي، وسلاسل الجبال المحيطة بها غنية بالمعادن والكنوز الطبيعية التى تنتظر الاستثمار الرشيد. اليوم، لم تعد الحمراوين تحتاج إلى البكاء على الأطلال، بل إلى رؤية تعيد توظيف ماضيها لصنع مستقبلها، فالمكان مؤهل لأن يتحول إلى متحف جيولوجى وسياحى مفتوح، يجمع بين عبق التعدين وتاريخ الصناعة المصرية القديمة، مناجم الفوسفات، بقايا المستعمرات التعدينية، والميناء القديم جميعها مقومات يمكن أن تحول إلى مقاصد سياحية وثقافية تروج لمصر كدولة تجمع بين التاريخ والعمل والإبداع. ولا يقتصر الأمر على السياحة، بل يمتد إلى فرص استثمار واعدة فى مجالات النقل البحرى والتعدين المستدام، وتطوير الميناء ليصبح مركزاً تجارياً وسياحياً متكاملاً، هذه الخطوة كفيلة بإعادة الحياة الاقتصادية للمنطقة، وخلق فرص عمل جديدة لشبابها، وتحويل القرية إلى نموذج مصرى للتنمية المتكاملة والمستدامة. إن «الحمراوين» ليست قصة من الماضي، بل مشروع للمستقبل، إنها رسالة بأن مصر لا تعرف الفقــد، وأن خيراتها لا تنضب، فحين تمتد يد الدولة لتعيد إحياء مثل هذه المناطق، فإنها لا تحيى قرية فحسب، بل تعيد الروح إلى ذاكرة صنعت مجداً من الجبال والرمال . «الحمراوين».. ليست قــرية نائمــة، بل لؤلؤة تنتظر من يزيل عنها غبار الزمن لتعود فتلمع من جديد.









