فاز الفيلم التركى «الأشياء التى تقتلها» «The Things You Kill» للمخرج على رضا خاتمى بجائزة الاتحاد الدولى للنقاد فى تتويج يعكس الاهتمام الكبير الذى أثاره العمل منذ عرضه الأول فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن عروض الجالا.
جاء الفوز ليكرّس ما خلّفه الفيلم من صدى واسع ونقاشات نقدية سواء من الصحفيين وجمهور المهرجان، لما يحمله من قراءة جريئة للعنف الذكورى وتراكمات الماضى ، وحرب الخير والشر الداخلية للنفس البشرية والذاكرة، ولأسلوبه السينمائى المختلف الذى يقدم الإنسان فى صراعه مع ظله الداخلي.
الفيلم التركى لقى اهتماما واسعا من الصحفيين والجمهور الذين تابعوا عرضه بشغف ودار حوله العديد من النقاشات بسبب طبيعته النفسية المعقدة وما يحمله من إثارة وغموض من خلال حبكة تتكشف اسرارها شيئا فشيئا.
الفيلم عمل روائى طويل يمثل إنتاجا مشتركا بين تركيا وكندا وفرنسا وبولندا ويقدمه المخرج التركى الشهير على رضا خاتمى بصوت سينمائى فريد يعتمد على العمق وخفايا النفس الداخلية لشخصياته أو « الشيطان الخفي» فى كل منا او لشخصياته إذ يتناول قصة على أستاذ الأدب الذى كان يدرس الترجمة والادب فى الولايات المتحدة وتسير حياته بشكل عادى من الاهتمام بوالدته المسنة وزوجته الان تحدث وفاة مفاجئة لوالدته فى ظروف مريبة ليجد نفسه غارقا فى دوامة من الأسئلة واللوم التى كان يهرب منها لسنوات.
ومع تتابع الأحداث يبدأ على فى استعادة خيوط قديمة تتعلق بالعنف الذكورى الذى كانت تتعرض له والدته من قبل والده فيكتشف أن الماضى الذى حاول دفنه يعود ليطارده بقوة أكبر مع كل خطوة يقطعها فى طريق الحقيقة وتتصاعد وتيرة التوتر حين يجد بعض الدلائل ان والدته قد ماتت نتيجة لعنف أبيه عليها كما كشفت شهادة وفاتها وانها تلقت ضربة قوية على رأسها من الخلف فيقرر الانتقام لوالدته الطيبة المسنة وترتيب وتنفيذ عمل انتقامى بارد ضد والده والذى اكتشف انه يخون والدته فيطلب من البستانى الغامض رضا رجل يبدو بسيطا لكنه يحمل وجها آخر ينعكس تدريجيا على روح البطل ويمثل مرآة مظلمة له او كما نراه بعد ذلك ان رضا البستانى ماهو الا صورة من البطل الصورة الخفية او شيطانه الخفى والتى تبرز هشاشته الداخلية ومع كل انكشاف جديد لسر قديم ومع اشتداد ضغط الشرطة التى تضيق الخناق عليه يجد على نفسه مهددا بالسقوط فى مواجهة قاسية مع ذاته قبل أن تكون مواجهة مع العالم من حوله.
اعتمد خاتمى فى الفيلم على بناء بصرى هادئ ومشحون فى آن واحد حيث تأتى اللقطات الطويلة كأداة لتعميق الإحساس بالاختناق النفسى وتدفع المشاهد إلى التورط فى التفاصيل الدقيقة للمشهد كما تخدم الإضاءة على مدى احساس البطل بالاختناق والتوتر و قلة الحيلة تجاه والدته ومن خوفه الكبير دائما من والده التى يعيشها البطل وتعمل كمكوّنات وتراكمات كبيرة عاشاها البطل ووالدته واخوته واظهر المخرج على لقطات و حوار قوى بين افراده على مدى العنف الذى كان يتعرض له الابن والام والتنمر، من خلال مشاهد قوية وقدرة لافتة على تجسيد التحولات المتتابعة للشخصيات وانكشاف طباعها المتهدّمة.
كما يقدّم الفيلم قراءة إنسانية شديدة الحساسية لمفهوم الذكورة الموروثة وللدوائر المغلقة التى يصنعها القمع الأسرى عبر الأجيال فهو يتساءل عن آثار العنف الأبوى المتراكم على شخصية ونفسية الابناء والتى تبقى مثل الصندوق الاسود او الشيطان الخفى داخلهم وكيف يورث الخوف والصمت ويشكّل أرواح الأبناء ويمتد تأثيره ليصبح جزءا من هويتهم كما يعالج العلاقة المعقدة بين العدالة والانتقام.
يأتى هذا العمل امتدادا لمسار فنى يميّز المخرج التركى على رضا خاتمى الكاتب والمخرج والمنتج المقيم فى كندا حاليا ، وانه دائما يستمد افكاره من إلارث الغنى بالسرد أو الذى يمزج بين الواقعية السحرية والتعليق الاجتماعى العميق وقد عُرضت أعماله السابقة مثل آيات النسيان وآيات الأرض فى مهرجانى البندقية حيث لاقت تقديرا نقديا واسعا وحصدت اعماله على مدى سنوات جوائز مهمة.









