الموسيقار العالمى الكبير عمر خيرت..هو أسطورة موسيقية مصرية حقيقية تعيش بيننا، وهو فنان مبدع وملهم ومؤلف موسيقى بارع فى ألحانه وعزفه الرائع على آلة البيانو، أثرى المكتبة الموسيقية بمؤلفاته الموسيقية التى مزج فيها الموسيقى الأوركسترالية الغربية بالأنغام الشرقية، مستخدما خلالها الألات الغربية فى مقدمتها آلة البيانو والأكسليفون، وآلات النفخ كالكلارنيت والأبوا والساكس، بالإضافة إلى الآلات الشرقية المميزة كالعود والقانون والكمان والأوكورديون، مما أضفى جمالاً لتلك الأعمال ومذاقا خاصا، ولم تقف مؤلفاته على المقطوعات الموسيقية التى قدمها فى الموسيقى التصويرية للأفلام السينمائية أو تترات المسلسلات الدرامية، بل امتدت للتلحين لكبار المطربين فى مقدمتهم الفنان محمد منير والمطرب هانى شاكر وعلى الحجار وأنغام ولطيفة وآخرهم آخر العنقود من سلسلة كبار مطربات الأوبرا ريهام عبدالحكيم فى الاغنية الشهيرة « فيها حاجة حلوة « والتى أبدع فى تلحينها مما جعل الجمهور يطالبه فى كل حفلاته التالية بعزف مقطوعاتها، بل وأن ريهام عبدالحكيم نفسها تغنيها فى كل حفلاتها داخل وخارج مصر .
ولا نستطيع أن نغفل الدور الكبير لسيدة الشاشة العربية الفنانة فاتن حمامة عندما رشحته لأن يضع الموسيقى التصويرية لفيلمها السينمائى « ليلة القبض على فاطمة « عام 1984، والذى كان بداية عمر خيرت بالموسيقى التصويرية للأفلام وتترات المسلسلات التليفزيونية لتزيح الستار وتعلن عن فنان كبير مبدع ومؤلف موسيقى محترف، يجمع بين التأليف الموسيقى والتلحين والتوزيع إلى جانب عزفه المميز ذى الإحساس العالى على ألة البيانو، والذى اكتشف معه مناطق موسيقية جديدة ساهمت فى إعلاء الموسيقى المصرية.
الميلاد بالسيدة زينب
ولد عمر إبراهيم محمود خيرت فى 11 نوفمبر عام 1947 فى حى السيدة زينب بالقاهرة، فى شارع خيرت المتفرع من ميدان لاظوغلى باشا والذى فى نهايته تقبع مدرسة السنية الثانوية للبنات، أول مدرسة فى مصر خاصة للفتيات، وبالطبع فإن اسم « خيرت « يعود للشارع الذى ولد فيه مرتبطا بعائلة عمر خيرت، وكانت أسرته محبة للثقافة والفنون بدءً من جده ووالده وعمه الموسيقار الشهير أبوبكر خيرت الذى اسس معهد الكونسرفتوار بالقاهرة عام 1959، وأثرى المكتبة الموسيقية بأعمال سيمفونية لا زالت دارالأوبرا المصرية تعزفها فى حفلاتها مع الإشارة ايضاً إلى أن عمه كان مهندساً معمارياً شهيراً.
جده محمود عبدالرحيم خيرت الذى كان أحد أعيان وأثرياء مدينة المنصورة ومحامياً كبيراً فى مصر، وضع اللبنة الأولى لحب الفن لأولاده ومن ثم لأحفاده، فقد كان الجد محباً للفن ومهتماً به، ويعود ذلك لأنه كان شاعراً وأديباً ورساماً وموسيقياً، فعكف على إقامة صالون ثقافى فنى فى منزله يجمع بين كبار رموز الفن فى ذلك الزمن من القرن الماضي، وكان يجتمع به كبار الفنانين من بينهم فنان الشعب سيد درويش والمثال والنحات محمود مختار، وأيضاً كانت تتواجد معهم كوكب الشرق أم كلثوم فى بداية طريقها الفني، مما جعل الأسرة والأبناء يعشقون الموسيقى والغناء وكل ما يمت للثقافة والفنون، أما والد عمر خيرت فقد كان يعمل مهندسًا معماريَّا مثل الجد، ولكنه كان متخصصًا فى العِمارة الإسلامية وبناء المساجد، وفى نفس الوقت كان عازفاً ماهراً على البيانو، وإزاء تلك الأسرة المحبة للفن والثقافة أحب عمر خيرت الموسيقى خاصة أنه ولد ووجد آلة البيانو داخل المنزل العريق.
الانضمام للكونسرفتوار
انضم عمر خيرت لمعهد الكونسرفتوار عقب افتتاحه مباشرة فى دفعته الأولى والتى بدأت دراستها عام 1955، ودرس الموسيقى ونظرياتها، كما تعلم العزف على آلة البيانو مع البروفيسور الإيطالى «كارو« حيث أظهر نبوغه المبكر أثناء دراسته، مما ساهم لأن يسافر إلى لندن ليدرس فى كلية «ترينتي« التأليف الموسيقي، وعندما عاد إلى مصر فى نهاية الستينيات إنضم لإحدى الفرق الموسيقية المنتشرة وقتها فى مصر بتقديم الموسيقى الغربية، واسمها «لى بتى شاه – القطط الصغيرة«، والطريف أنه بدأ فى الفرقة كعازف درامز، والتقى فى الفرقة بالفنان الراحل عزت أبوعوف والذى كان فى بداية طريقه أيضاً، وفى تلك الفترة التقى عددا من الفنانين كانوا فى بداية طريقهم أيضاً أصبحوا أصدقاء له من بينهم الموسيقار هانى شنودة والذى كان معه فى الفريق الغنائي، ورائد موسيقى الجاز الفنان يحيى خليل، وملك الجيتار الراحل عمر خورشيد وغيرهم.
البداية.. فاتن حمامة
كانت بداية عمر خيرت فى تأليف الموسيقى التصويرية للأفلام المصرية عام 1984 عن طريق الفنانة فاتن حمامة بفيلم « ليلة القبض على فاطمة « والذى من خلاله لفت الأنظار إلى موهبته الموسيقية ولم ينته العام إلا وكان مشاركاً فى ثلاثة أفلام أخرى بتأليف الموسيقى التصويرية لأفلام هى الخادمة بطولة نادية الجندي، وأنا اللى قتلت الحنش بطولة عادل إمام ثم بحر الأوهام بطولة بوسى وحسين فهمي، ثم توالت الأفلام فى العام التالى بخمسة أفلام دفعة واحدة هى : إعدام ميت – أيام التحدى – قضية عم أحمد – خللى بالك من عقلك – عفواً أيها القانون، وفى العام الثالث عام 1986 وضع موسيقى لثلاثة افلام هى اليوم السادس والتى لعبت بطولته الراحلة داليدا، ثم فيلمى وصمة عار والهروب من الخانكة، وبالرغم من تلك البداية المعروفة للجميع إلا أن عمر خيرت كانت له تجربة سابقة فى تأليف الموسيقى التصويرية من خلال الفيلم اللبنانى « الرؤيا « للمخرج يوسف شرف الدين، وإن كانت الانطلاقة الحقيقية جاءت من خلال الفنانة فاتن حمامة التى اختارته لوضع موسيقى ليلة القبض على فاطمة.
الموسيقى التصويرية للأفلام والمسلسلات
قدم عمر خيرت مؤلفاته فى الموسيقى التصويرية للأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية لأكثر من مقطوعة موسيقية، منها ما يقرب من 60 فيلماً سينمائياً أشهرها موسيقى أفلام : الممر – الجزيرة – ولاد العم – زهايمر – الرهينة – تيمور وشفيقة – دم الغزال – السفارة فى العمارة – الرغبة – مافيا – سكوت ح نصور – النعامة والطاووس – البحث عن توت عنخ أمون – امرأة تحت المراقبة – الإرهابى – النوم فى العسل – لصوص خمس نجوم – فرسان أخر زمن – نساء صعاليك – صراع الأحفاد – زمن الممنوع – الحب أيضاَ يموت – زمن الممنوع – الوحل – نخر الخوف – بستان الدم – سرقات صيفية، كما وضع الموسيقى التصويرية للفيلم الكندى «البحث عن ديانا«.
كما قدم موسيقى تصويرية لأكثر من 40 مسلسلاً منها موسيقى مسلسلات : الجماعة – الداعية – العميل 1001 – فرقة ناجى عطا الله – الخواجة عبدالقادر – مسألة مبدأ – وجه القمر – يوميات ونيس – ألف ليلة وليلة – يا رجال العالم اتحدوا – الثعلب – عصر الفرسان – البخيل وأنا – ضمير أبلة حكمت – قابيل وقابيل – اللقاء الثانى – غوايش – صابر ياعم صابر، إلى جانب السهرات التليفزيونية والمسلسلات الإذاعية، وفوازير رمضان منها ما نستغناش – جيران الهنا – الحلو ما يكملش، كما وضع الموسيقى التصويرية لمسرحية « كارمن « بطولة سيمون ومحمد صبحي.
فى التوزيع الموسيقى كان لعمر خيرت السبق فى إعادة توزيع الأغانى التى لحنها محمد عبد الوهاب مثل: أنت عمري، وامتى الزمان يسمح، ووضعهم فى البومى «وهابيات 1 و 2« فأعطى للأغانى مذاقا خاصا حتى أن الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب شكر عمر خيرت على التوزيعات واعتبرها أجمل هدية قُدمت له .
عمر خيرت ممثلاً
الطريف أن عمر خيرت قد خاض تجربة التمثيل فى شبابه وهو فى العشرينات من العمر عندما شارك عام 1971 فى فيلم «الحب المحرم« بطولة ميرفت أمين ومديحة يسرى إخراج حسن الإمام، ولعب وقتها دورا مهما وهو صديق الفنان شكرى سرحان، كما ظهر بشخصيته الحقيقية فى فيلم «سكوت ح نصور« للمخرج يوسف شاهين، والتى تضمنت أغنية « المصرى « التى قامت بغنائها الفنانة لطيفة من ألحانه، أما التجربة الثالثة والأخيرة من خلال الفيلم التسجيلى «القطط الصغيرة « إخراج شريف نخلة، والتى تضمنت توثيقاً للفرقة «لى بيت شاه« التى اسسها وجدى فرانسيس، وكان منضماً لها عمر خيرت فى الستينيات، حيث يضم الفيلم حوارات مع عدد من أعضائه خاصة بعدما لم شملهم فى عام 2010 من خلال حفل موسيقي، وقد تم إنتاج الفيلم عام 2025، وشارك فيه عزت أبوعوف وسمير صبرى وصادق قلينى وصبحى بدير ووجدى فرانسيس وعمر خيرت، إلى جانب لقطات أرشيفية للراحل طلعت زين.
يعبر عمر خيرت دوماً عن حبه لوطنه، وأنه يسعد بكل مناسبة وطنية يشارك فيها، ولذلك كان سعيداً بمشاركته فى حفل افتتاح قناة السويس الجديدة، وقال وقتها.. «أنا عامل زى ما أكون رايح احارب».. وأثبت حاجة للعالم لأنى بأمثل مصر.. وعندما لحن أغنية فيها حاجة حلوة قال أنها عاطفية، لأنه ليس بالضرورة أن نجعل كل أغنية وطنية وكأنها مارشال عسكري.. بل لابد أن نعبر بطرق مختلفة.. وكفنان يؤمن دائماً عمر خيرت بالحرية، ويراها أول خطوة مهمة لحياة الشعوب،، لكنه دائماً يخشى من الفوضى تحت شعار الحرية، ورغم ارتباط اسمه بالأوبرا كان ومازال يرفض وصفه بفنان النخبة، أو حصره فى هذه المنطقة، بل دائماً يوكد أنه فنان الشعب مثل سيد درويش لأنه يقدم ما يخاطب كل المصريين.
خيرت «العاشق لوسط القاهرة، يعيش فى منطقة جاردن سيتى فى شقة يغلب عليها الخصوصية الفنية ويتصدرها معشوقة الأول وشريك نجاحه «البيانو» يرى أن الزحام فى حفلاته حاجة تسعده كفنان، فليس هناك أهم من أى فنان عند اقبال الناس على حفلاته بل يعبر دائما على أنه يحب العزف أمام الجمهور.
اللافت أن هذا الموسيقار الذى يتنافس الجميع على تذاكر حفلاته لا يعيش كثرى بل يفضل الحياة العادية بعيداً عما يفعله بعض النجوم.
تكريمات وجوائز
نال الموسيقار الكبير عمر خيرت العديد من الجوائز طوال مسيرته الفنية تقديراً لفنه وموسيقاه الفريدة، فعلى المستوى العربى والدولى منح جائزة «شخصية العام الثقافية« من جائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2003، تقديراً لجهوده المتميزة وأعماله الموسيقية، كما كرم لمشاركته فى العيد الوطنى لسلطنة عمان 1993، والعيد الوطنى لإيطاليا فى نفس العام .
وإمتدت التكريمات وشهادات التقدير لتأليفه لموسيقى أوبريت الشيخ زايد بالإمارات عام 2000، ومن مهرجان جرش الأردنى عام 2003، ومن دائرة الفنون الجميلة بمدريد، ومن إحتفالية نهر الأردن الملكية، وإفتتاح دورة الألعاب الآسيوية بالدوحة عام 2006، إلى جانب تكريم من احتفالية تسليم رئاسة الاتحاد الأوروبى من سلوفينيا إلى فرنسن عام 2008، وغيرها من المناسبات .
وعلى المستوى المحلى بمصر نال شهادات التكريم والدروع لمشاركته بالمناسبات المصرية منها عن تأليفه لموسيقى عرض بانوراما العبور «القصيد السيمفوني« عام 1991بالقاهرة، وموسيقى افتتاح نشيد سكندريات العالم، وأوبريت روح أكتوبر، وافتتاح دورة الألعاب العربية بالقاهرة عام 2007، وقرعة كأس العالم للشباب بالأقصر عام 2009.
..إلى جانب عشرات الجوائز وشهادات التقدير عن أعماله الناجحة كأحسن موسيقى تصويرية منها: فيلم «البحث عن توت عنخ آمون« من اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصرى عام 1997، و فيلم «النوم فى العسل« من الجمعية المصرية للسينما عام 1997، وجائزة «الفارس الذهبي« عام 2001 م من اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصرى عن أغنية «المصري« من فيلم «سكوت ح نصور”.
وجائزة «أوسكار السينما المصرية« من جمعية فن السينما المصرية عام 2003 م عن فيلم «مافيا «، و استفتاء الجمهور لأحسن موسيقى تصويرية عام 2005 م عن مسلسل «العميل 1001«، ومن دولة الجزائر فيلم «النعامة والطاووس« من مهرجان تبسة الدولى بالجزائر، ومن مهرجان الإسكندرية السينمائى الدولى عام 2001 .
فى الأيام الأخيرة تعرض «خيرت» لوعكة صحية بعد حفلته فى افتتاح مهرجان الفسطاط الشتوي، ودخل على إثر ذلك الرعاية المركزة وكلف السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى وزير الصحة بمتابعة حالته بشكل مستمر، تقديراً لدوره ومكانته كقيمة فنية كبيرة، وقد نعافى وغادر المستشفى موجهاً الشكر للرئيس على اهتمامه الكريم الذى يعكس تقدير الدولة للفن والثقافة.. وقال «خيرت»: أشعر بالامتنان الكبير لهذه اللفتة الإنسانية وادعو الله أن أعود قريباً لجمهورى الذى أعده بالمزيد من الموسيقى والحفلات.









