نظَّمت كلية دار العلوم بجامعة القاهرة ندوة علمية بعنوان “المتحف المصري الكبير: الخطاب والمُخاطَب” ضمن فعاليات مبادرة “جامعة القاهرة ومَلْحَمَة المتحف المصري الكبير“، تحت إشراف الدكتور أحمد بلبولة عميد كلية دار العلوم، ورعاية الدكتور محمد سامي عبدالصادق رئيس الجامعة، وحضور الدكتور طارق سيد توفيق أستاذ الآثار المصرية القديمة والمشرف العام السابق على مشروع المتحف المصري الكبير، والدكتور صفوت علي صالح وكيل الكلية لشؤون الدراسات العليا والبحوث.
أكَّد الدكتور محمد سامي عبد الصادق أن المتحف يُعد مشروعًا قوميًا فريدًا يجسد رؤية الدولة المصرية الحديثة في تقديم حضارتها للعالم بصورة تليق بعُمق التاريخ المصري، موضحًا أننا نُعلي من شأن الوعي الحضاري بوصفه عنصرًا جوهريًا في بناء شخصية الطالب القادر على قراءة الحاضر وصياغة المستقبل، لافتًا إلى أن المتحف أصبح أحد أهم أدوات القوة الناعمة المصرية في مخاطبة العالم بلغات الفن والتاريخ والهوية.
أوضح العميد الدكتور أحمد بلبولة أن إعلان الجامعة أن هذا العام هو عام المتحف المصري الكبير، يعكس مسؤولية وطنية بمنجزات الدولة المصرية وتعزيز وعي الطلاب بالهوية المصرية والانتماء الوطني، مشيرًا أن المتحف تعبير عن عظمة الشخصية المصرية التي صنعت واحدة من أعرق الحضارات في التاريخ، وما زالت قادرة على البناء والإبداع في الحاضر.
أشار الدكتور بلبولة إلى أن الشخصية المصرية عبر التاريخ كانت صانعة للحضارة لا مُتلقّية لها؛ فهي التي شيَّدت المعابد، ونظّمت الدولة، وابتكرت الكتابة، وأسست للعلم والفكر والفن، وهي ذاتها الشخصية التي تشارك اليوم في بناء صروح الدولة الحديثة. وأكَّد أن المتحف المصري الكبير شاهد حي على استمرارية الجينات الحضارية للمصريين في قدراتهم على التخطيط والتنفيذ والإبداع.
وأوضح العميد أن دار العلوم، منذ أسسها علي باشا مبارك، حملت رسالة بناء العقل المتكامل الذي يربط بين الماضي والحاضر، وأن الكلية استجابت لرؤية رئيس الجامعة من خلال تطوير اللائحة الدراسية وإضافة مقررات متقدمة مثل الكتابة المصرية القديمة، والفن المصري، وشخصية مصر، لتعزيز وعي الطلاب بالجذور الحضارية التي صنعت الهوية المصرية.
وشدَّد بلبولة على أن الكلية تسعى إلى إنتاج خطاب ثقافي جديد يستند إلى قراءة واعية للتاريخ، ويقدّم رؤى تربط بين الأصالة والحداثة، وتخاطب المجتمع والطلاب بلغة معاصرة تستحضر قيم الحضارة المصرية لتشكيل وعي وطني مستنير. كما وجّه الشكر لأسرة “طلاب من أجل مصر” على تنظيمهم المتميز للفعالية، ودورهم في دعم الأنشطة الوطنية داخل الكلية.
قدَّم الدكتور طارق سيد توفيق أستاذ الآثار المصرية القديمة والمشرف العام السابق على مشروع المتحف المصري الكبير، قراءة تفصيلية لخطاب المتحف عبر عناصره المعمارية والفنية، شملت:
- خطاب الإبهار في التصميم المعماري للمتحف الذي يقوم على مزج فريد بين الحداثة وجغرافية مصر القديمة، بما يجعل المبنى نفسه رسالة بصرية تُدهش الزائر وتربطه بالتاريخ الحضاري الممتد عبر الزمن.
- كما قدَّم المحاضر قراءة خاصة لخطاب المَسَلَّة الحاملة لخرطوش الملك رمسيس الثاني، مؤكدًا أنها رسالة عن استمرارية نظام الدولة والهوية المصرية عبر العصور، وأن اختيارها بهذا الشكل الفريد يعكس وعيًا بصريًا متقدمًا في مخاطبة الزائر.
- أشار الدكتور طارق توفيق إلى خطاب العظمة في بهو المتحف الذي يجسده الحضور الشامخ لتمثال رمسيس الثاني في البهو الكبير، وما يحمله من رسالة قوية عن الحضور المهيب للملكية المصرية القديمة، وحضورها المحوري في الخطاب الحضاري للمتحف، باعتبار رمسيس رمزًا للقوة والشموخ.
- كما توقف الدكتور توفيق عند السردية الحضارية في الدرج العظيم؛ بوصفه نصًا بصريًا يحكي رحلة المصري القديم عبر العصور، من خلال عرض جنائزي متصاعد يُدخل الزائر في سياقٍ سردي شيّق يربط المعرفة بالرؤية البصرية.
- وعن خطاب الحداثة في قاعات العرض، أكَّد أن المتحف يعرض مقتنياته وفق أحدث تقنيات العرض المتحفي، في رسالة تؤكد أن مصر الحديثة قادرة على تقديم تراثها بأعلى درجات الاحترافية العالمية.
استعرض الدكتور توفيق خطاب الإجلال والشموخ في عرض قناع الملك توت عنخ آمون الذي يمثل ذروة الخطاب البصري للمتحف، لما يحمله من جمال وشموخ وإبهار يجسِّد جوهر الهوية المصرية.
اختتم الدكتور توفيق محاضرته بالتأكيد على أن المتحف يحمل رسالة قوية حول الحفاظ على الهوية اللغوية والثقافية في عصر الذكاء الاصطناعي، داعيًا كلية دار العلوم إلى مواصلة دورها في حماية اللغة العربية والهوية الثقافية، على نهج المصري القديم الذي صان لغته وتراثه لآلاف السنين.
أكَّد الدكتور صفوت صالح وكيل الكلية لشؤون الدراسات العليا والبحوث أن هذه الفعاليات تُجسِّد الدور الوطني لجامعة القاهرة في تعزيز الوعي وصَوْن الهوية المصرية، بما تمثله من مساحات حقيقية لتكوين الرؤية وتشكيل الشخصية الوطنية لدى الطلاب، موجهًا التحية للعميد ولأسرة “طلاب من أجل مصر” على جهودهم التنظيمية لهذه الندوة التي تمثل خطوة جديدة في مسار الكلية والجامعة نحو ترسيخ الانتماء الوطني لدى الطلاب، وإبراز القيمة الحضارية للمتحف المصري الكبير بوصفه مشروعًا وطنيًّا يربط الماضي بالحاضر، ويعكس رؤية الدولة المصرية الحديثة في تقديم حضارتها للعالم، ويؤسس لخطاب عصري يجمع بين الأصالة والتجديد.
شهد الندوة الدكتور حجاج أنور وكيل الكلية لشؤون التعليم والطلاب، والدكتورة سناء فتح الباب رائدة الإرشاد الأكاديمي بالدراسات العليا، والدكتورة حنان عبد العزيز نائب مدير مركز دار العلوم للإبداع، والدكتورة رحمة الشيمي مدير مكتب الوافدين، والدكتورة فاطمة سعيد أمينة الكلية، وسيد مصيلحي مدير رعاية الشباب.
وفي ختام الندوة، أهدى الدكتور أحمد بلبولة درع الكلية إلى الدكتور طارق توفيق وتوجه بالتحية والشكر لأسرة “طلاب من أجل مصر“، وللجنة التخطيط بالكلية، والدكتور أحمد الشيمي مقدم الندوة، وسيد مصيلحي على جهودهم في تنظيم فعاليات مهرجان الثقافة المصرية.



























