> بعض التوصيفات المستخدمة فى نشرات الأخبار وتحديداً فى منطقتنا العربية تمثل أشكالية تخلق مساحة من الجدل والنقاش قد تتطور إلى تخوين طرف أو تشكيك فى نوايا طرف أو التلميح بأن تعمد استخدام لفظ بعينه لوصف حالة بعينها قد ينطوى على مؤامرة وأوضح مثال على ذلك إشكالية «شهيد أم قتيل»؟
> قبل الحديث عن القاعدة المستخدمة فى علم الاتصال السياسى لمثل هذه الحالة لابد أولاً من الإشارة إلى أن الإعلام لا ينفصل عن السياق المجتمعى العام الذى يمثله الدين والأخلاق والعادات والتقاليد والأعراف والموروث والتاريخ والجغرافيا وهذا لاينطبق على البلد الواحد فحسب وإنما على الإقليم أوالمنطقة الى تتشارك نفس العوامل سابقة الذكر,فنقول «منطقتنا العربية» أو»عالمنا العربى والإسلامي» وفى «منطقتنا» أو»عالمنا» مقبول أن يعمل الإعلام تحت عناوين مشتركة واحدة أومتشابهة إلى حد كبير وفقاً للقناعات والمعتقدات المشتركة وأبرزالعناوين مثلاً التى انتشرت فى النصف الثانى من القرن العشرين فى منطقتنا العربية عنوان: «عدونا واحد ومصيرنا واحد».
> عودة إلى الاتصال السياسى كعلم والسؤال: هل يصح للقائم بالاتصال «قاريء النشرة» أن يقول «قتيل» بدلاً من «شهيد» رغم إن الفقيد قد يكون فى معتقد مجتمعه وإقليمه شهيد بكل ما تحمله الكلمة من معني؟ والإجابة هى أن القاعدة العلمية «الجامدة» التى لا قلب لها ولا «دين» ولا «وطن»ترى أنه ليس ثمة خطأ مهنى فى قول قتيل بدلاً من شهيد!! وعلتها وجوب تحرى التوصيفَ الدقيقَ من دون إضافات دينية أو سياسية أو أيديولوجية، وترى وصف «شهيد» يحمل دلالات دينية حتى لو كان المقتول شهيداً بالفعل والأخبار –حسب القاعدة–دورها التوصيفَ المجرد من أى دلالات وما دون ذلك متروك للبرامج الأخرى غير الأخبار مثل النقاش السياسى والتحليلات حيث لا خطأ فى أن تطرح فيها وجهة النظر المناصرة لـ»شهيد» فمن حق أهل الفقيد مثلاً أن يروا أبنهم شهيداً، وحق أصيل للدولة أن تحتسب الجندى الذى قُتل فى جبهة الحرب شهيداً.
> لكن ماذا إذا اصطدمت القاعدة العلمية بالسياق المجتمعى لا سيما أن الإعلام كما أسلفنا لاينفصل عن إقليمه ومنطقته ولا يمكنه تجاوز ما تتشاركه عناصر الإقليم من دين وقيم وعادات وتقاليد وموروث من حب أوكره لذلك أقول إنه لا يوجد إعلام فى الدنيا سيمر لو خالف المجتمع ومن ثم عليه أن يرضخ لسياقات وبالنسبة لنا كمصر فقيدنا فى أى حرب شهيد أى قولاً واحداً ليس فقط فى المحطات المصرية فحسب وإنما فى كل المحطات العربية التى تتشارك التاريخ والجغرافيا والدين والأخلاق وموروث الكره لإسرائيل باعتبارها عدونا التاريخى الذى يقصده المصطلح العربى «عدونا واحد»، ناهيك عن كون الشهيد يؤدى واجبه الوطنى المقدس بحماية حدود بلاده وارتقى شهيداً ومن ثم فغير مقبول من محطة إخبارية عربية وصف أى شهيد مصرى بـ«القتيل »بحجة أنها تتحرى الدقة فنحن كعرب نعظم شهيدنا أينما كان ولو أن كلمة قتيل خرجت من محطة فى جنوب الكاريبى أو فى أقصى شمال الكوكب لمرت وما التفتنا لكن كيف هذا وكلنا عرب «عدونا واحد»، «مصيرنا واحد» و»شهيدنا واحد».