- تُعقد القمة في ظل ظروف إقليمية ودولية حساسة لتنسيق المواقف تجاه الأمن والطاقة والنفوذ الخارجي
- أوزبكستان تستهدف تعزيز دورها المحوري.. وخطط لتعميق التكامل الاقتصادي بين الدول الخمس
تشهد العاصمة الأوزبكية طشقند يومي 16 و17 نوفمبر الجاري انعقاد القمة الدورية لرؤساء دول آسيا الوسطى الخمس: أوزبكستان، كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، وتركمانستان، برئاسة الرئيس الأوزبكي شوكت ميرضييايف.
تأتي القمة في واحدة من أكثر اللحظات حساسية في المشهد الإقليمي والدولي، حيث تتشابك ملفات الأمن والطاقة والتجارة والحدود، مع تصاعد المنافسة بين القوى الكبرى على النفوذ في المنطقة التي تُعدّ بوابة حيوية بين الشرق والغرب.
أهمية القمة في ظروف إقليمية مُعقدة
رغم أن القمة تُعقد بشكل دوري، فإن دورة هذا العام تحمل خصوصية واضحة؛ فالدول الأعضاء تواجه بيئة إقليمية مُعقدة بفعل:
- الحرب الروسية–الأوكرانية وانعكاساتها الاقتصادية.
- التحولات في سياسات الصين التجارية وضغوط الاعتمادية الاقتصادية.
- الضغط الأمريكي المتزايد في ملفات الطاقة والاتصالات.
- التنافس المتصاعد لنفوذ تركيا كقوة ناعمة وذات امتداد ثقافي.
في ظل هذه المعطيات، تسعى القمة إلى تعزيز آليات التشاور السياسي، وتنسيق المواقف تجاه القضايا الدولية، وتطوير التعاون الاقتصادي، خصوصاً في مجالات النقل والتجارة والطاقة.
المحور الأول: الأمن الإقليمي والحدود
يتصدر ملف الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب والاتجار غير المشروع أجندة القمة، لا سيما مع تطورات الوضع على الحدود الأفغانية، وتنامي نشاط بعض الجماعات المسلحة.
تُدرك دول آسيا الوسطى أن التحديات الأمنية لم تعد قابلة للتجزئة؛ فأي توتر ينعكس مباشرةً على الدول الأخرى المرتبطة بشبكة معقدة من الحدود والموارد. لذلك، من المتوقع أن تبحث القمة سبل تعزيز التنسيق وتطوير آليات مشتركة لحماية الحدود والتعامل مع التهديدات العابرة للدول.
المحور الثاني: إدارة النفوذ الدولي والتوازن الجيوسياسي
تُعد آسيا الوسطى واحدة من الدوائر الاستراتيجية الساخنة عالمياً، مما يجعل القمة مناسبة لتنسيق المواقف تجاه القوى الكبرى:
- روسيا (الشريك التاريخي): تسعى الدول الخمس لإدارة العلاقة مع موسكو دون الدخول في صدامات، مع مراعاة بحث روسيا عن الحفاظ على نفوذها عبر الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وآليات الأمن الجماعي.
- الصين (القوة الاقتصادية): تُعد المستثمر الأكبر ومحور مبادرة “الحزام والطريق”. تتطلب العلاقة مع بكين حذراً لإدارة ملف الديون والاعتمادية الاقتصادية.
- الولايات المتحدة (الحضور السياسي): تتحرك واشنطن بهدوء عبر ملفات الديمقراطية والطاقة. تسعى دول آسيا الوسطى لتجنب الاصطفاف في مواجهة مباشرة بين واشنطن وبين بكين أو موسكو.
- تركيا (البعد الثقافي): تمثل قوة ناعمة مؤثرة، مع ترحيب مشوب بالحذر لتجنب الانجرار إلى تكتلات قد تؤثر على استقلالية القرار السياسي.
التأثير المباشر للحرب الأوكرانية وقضايا التكامل
أدت العقوبات الغربية على روسيا إلى دفع دول آسيا الوسطى للبحث عن مسارات تجارية بديلة لتجنب تعطّل الحركة الاقتصادية. لذلك، أصبحت قضايا البنية التحتية والربط السككي والبحري محورية في القمة.
قد تشهد القمة نقاشات حول:
- تعزيز التكامل الاقتصادي وإنشاء مناطق تبادل تجاري، خاصة بين كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان.
- مشروعات النقل والربط الإقليمي، مع اهتمام متزايد بـ خط “الصين–قيرغيزستان–أوزبكستان” للسكك الحديدية.
- الأمن المائي والطاقة: محاولة لتجنب التوتر بوضع آليات مشتركة لتبادل الطاقة مقابل المياه وتطوير السدود ومحطات الكهرباء.
طموح أوزبكستان وتحديات التكتل
تسعى أوزبكستان، الدولة المضيفة، إلى لعب دور القائد المحوري لتعزيز الاستقرار الإقليمي، وتأكيد دور طشقند كمركز اقتصادي وسياسي مهم.
ورغم الطموح، تواجه القمة تحديات حقيقية، أبرزها: الخلافات الحدودية بين قيرغيزستان وطاجيكستان، التباين في التحالفات الدولية بين الدول، وضعف التكامل التجاري، وتأثير الضغوط الخارجية.
تأتي قمة طشقند في لحظة تاريخية، تتطلب جرأة سياسية لتحديد مصير المنطقة. فإذا خرجت القمة بنتائج عملية في مجالات التجارة والنقل والأمن المائي والحدود، فقد تمثل خطوة مهمة نحو بناء تكتل إقليمي قادر على التوازن بين القوى الدولية وتعزيز استقلالية القرار السياسي والاقتصادي لدول آسيا الوسطى.








