قبل أن تُفتح أبواب معرض القاهرة الدولي للتكنولوجيا اليوم الأحد، كانت مصر قد أرسلت رسالتها الأوضح.. فاستقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي لقيادات 52 شركة عالمية ومحلية في صناعة التعهيد لم يكن لقاءً عابرًا، بل خطوة محسوبة تؤكد أن مصر تدخل المعرض هذا العام وهي في موقع مختلف تمامًا. فالاجتماع لم يحمل طابعًا بروتوكوليًا، بل جاء كجزء من مشهد أكبر يعيد رسم الدور المصري في الاقتصاد الرقمي، ويثبت أن الدولة لم تعد على هامش التطور التكنولوجي، بل في قلبه.
خلال السنوات الماضية، انتقلت مصر تدريجيًا من كونها “سوقًا واعدًا” في التكنولوجيا إلى دولة تمتلك مقومات تصدير الخدمات الرقمية، وهو التحول الذي تعكسه مؤشرات واقعية؛ أبرزها تضاعف صادرات التعهيد خلال عامين، وارتفاع مساهمة قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى 6% من الناتج القومي، إلى جانب قفزة غير مسبوقة في بناء القدرات البشرية، حيث ارتفع عدد المتدربين سنويًا من أربعة آلاف فقط قبل ثماني سنوات إلى 800 ألف متدرب اليوم.
اللقاء الرئاسي الأخير كان خطوة متقدمة فيما يمكن تسميته بـ”دبلوماسية التكنولوجيا”، حيث شهدت القاهرة توقيع 55 اتفاقية جديدة توفر 75 ألف فرصة عمل خلال ثلاث سنوات. وهذه ليست وظائف تقليدية، بل وظائف في اقتصاد المعرفة، بما يعزز قدرة الدولة على زيادة الصادرات وجذب الاستثمارات.
ما طرحه الرئيس خلال الحوار مع قيادات الشركات العالمية يؤكد أن الدولة تنظر إلى التكنولوجيا كقطاع إنتاجي لا خدميًا، وكقوة دافعة للنمو الاقتصادي. فمصر اليوم تمتلك ميزة تنافسية تتمثل في قاعدة بشرية كبيرة من الشباب المؤهل، إضافة إلى استقرار سياسي واقتصادي جعلها مقصدًا للشركات العالمية رغم التحديات الإقليمية.
في هذا السياق، يأتي معرض ومؤتمر القاهرة الدولي للتكنولوجيا، ليؤدي دورًا يتجاوز كونه معرضًا للابتكار؛ فهو منصة تعرض فيها الدولة “حصاد التحول الرقمي” ومخرجات الاستراتيجية الوطنية التي عملت عليها خلال السنوات الماضية. فوجود الشركات العالمية، وأجواء الثقة، وتطور البنية التحتية الرقمية، كلها عناصر تؤكد أن مصر تتحرك بثبات نحو ترسيخ موقعها كمركز إقليمي للتكنولوجيا والتعهيد.
الخلاصة أن مصر لم تعد مجرد متلقٍ للتكنولوجيا، بل دولة تسعى بوضوح إلى تصديرها، مستندة إلى الاستراتيجية، والإنسان، والاستقرار. ومع انطلاق معرض القاهرة الدولي للتكنولوجيا، تبدو هذه الرسالة أكثر وضوحًا من أي وقت مضى.









