أصبحت التكنولوجيا الحديثة بمثابة (غول) مرعب.. يأكل بلا رحمة الأخلاق والمبادئ .. وينشر الفساد بلا هوادة.. وذلك ضمن منظومة حروب الجيل الخامس وما يأتى بعدها من أجيال يتفنن صانعوها فى إيذاء العالم بما يحقق مطامعهم فى احتلال العقول بديلا عن احتلال الأراضي.. وليس هناك طريق أيسر لنشر جراثيم الإفساد من تطويع أدوات التكنولوجيا فى جانب الشر، حيث انتشرت مؤخرا بكثافة ألعاب القمار فى تطبيقات الهواتف المحمولة ومواقع إلكترونية تضاعف عددها بصورة مخيفة.. بصورة أشبه بمكاتب المراهنات المحمولة والمتنقلة، وقد أصبح الكثيرون من الشباب يعتمدون عليها فى توفير مصدر للدخل دون بذل أى مجهود.. يضاف لفساد الاستخدام التكنولوجى تجارة اللايكات، وتنظيمات لجان السوشيال ميديا الذراع التكنولوجى لتيارات الإرهاب..علماء الدين والاجتماع ناقشوا القضية من جوانبها العقائدية والمردود الاجتماعى السلبى وطرق العلاج.
أوضح د. محمد المحرصاوى نائب رئيس المنظمة العالمية لخريجى الأزهر أن انتشار تطبيقات ومواقع ألعاب القمار على الوسائل الإليكترونية ناتج عن تأخر فى تثقيف الشباب بمخاطر التواصل الاجتماعى والتطبيقات الإليكترونية، فقد تركنا الباب مفتوحا بصورة مخيفة وتغافلت الأسرة عن مراقبة أولادها، ولا يجب إهمال الوازع الديني، وهذا يعيدنا إلى أهمية تجديد الخطاب الديني، باعتباره أصل قبول الموعظة الدينية بعدما فقدت بريقها لدى المستمعين نتيجة الخطب المكررة والأسلوب الدعوى الذى يعتمد على الترهيب أكثر من الترغيب مما أدى إلى النفور المجتمعي، مضيفا أن أبرز كوارث الخطاب الدينى إهماله العرض للجوانب الأخلاقية التى جاءت بها الشريعة الإسلامية، مما يستلزم ضرورة إحياء خطاب الأخلاق المجتمعى بأساليب معاصرة يستفيد بها المجتمع وتنعكس آثاره على الأسرة، وتأهيل المقبلين على بناء أسرة مجتمعية حتى يمكنهم معرفة أصول التربية الأسرية، وإعلاء الرقابة المنزلية من الأسرة بصورة تبادلية على بعضهم حتى لا نصل إلى تلك المرحلة المؤسفة من سيدات المنازل اللاتى يتركن المهمة الرئيسية التى كلفهم الله بها وهى رعاية أبنائهن وتفرغن لعمل فيديوهات على « التيك توك» رغبة فى حصاد مكاسب مالية، وقد وصل الأمر إلى إفشاء أدق الاسرار الزوجية.
بينما دعا د. حسن القصبى وكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر إلى تدخل برلمانى سريع بتشريعات هدفها إنقاذ الشباب من براثن اللعبة والمسارعة بوضع تشريعات ملائمة ومناسبة لردع هذه الظاهرة وتقديم مشاريع قوانين لأجل وقف هذه الخوادم الإلكترونية التى تسمح بانتشار هذه المواقع عن طريق تأجير بعض الشركات مواقع تحث على الرذيلة والنصب والاحتيال، وألا تقتصر العقوبة على الشباب مستخدمى هذه المواقع، ولكن لابد أن تمتد لمعاقبة من يهيئ البيئة لمثل هذه المواقع أو الذين يوفرون هذه الخدمة لمرتكبى الانحرافات.
فيما أعلن د. محمد راشد استاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالقاهرة أن كل ما يتصل بالمراهنات والمسابقات والمقامرات الإليكترونية وغيرها يدخل تحت مسمى أكل أموال الناس بالباطل، وينعكس تأثيره السلبى على الحياة الاجتماعية والعلاقات الزوجية والأسرية نتيجة التسرع فى الجرى وراء المكسب أو الربح الموهوم، درجة أن البسطاء يبيعون مقتنياتهم ويعتدون على حقوق نسائهم وأولادهم، بل قد يصل الأمر حد الاستدانة وبيع الغالى جريا وراء كسب موهوم، ويجهل هؤلاء أن ممارسى هذه الألعاب يخربون بيوتهم بأيديهم، نتيجة سراب خادع يتوهمونه.
بينما أشار د. إبراهيم البيومى غانم مستشار المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية أن ظاهرة القمار الإلكترونى تعد واحدة من السلبيات الكبرى للتواصل الاجتماعى حيث تأتى فى المرتبة الثالثة من مراتب السلبيات الموجودة على القمة بعد أفلام البورنو والنصب والاحتيال، موضحا أن الأسباب الداعية لانتشار تلك الظاهرة بعضها اقتصادى نظرا لظروف البطالة التى ضربت العديد من المجتمعات خاصة بعد أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وما جاء بعدها من توترات فى منطقة الشرق الأوسط نتيجة العدوان الإسرائيلى الغاشم على غزة، وكل هذه الأسباب مجتمعة أسهمت فى إغلاق العديد من المنشآت الاقتصادية أو التأثير على نشاطها سلبيا مما أدى فى نهاية المطاف إلى تسريح بعض العمالة، ويضاف لذلك التربية السلبية التى نشأت عليها بعض المجتمعات العربية وفق ثقافة الربح السريع دون بذل جهد.
مضيفا أن الخلل تربوى فى الأصل حيث تنتشر فى المجتمع ثقافة «الفهلوة» ومبادئ «تفتيح الدماغ» تلك العبارات كانت بمثابة فكاهة بين الأشخاص قديما، لكنها أصبحت مبادئ حياة بين المجتمع درجة أن بعض الآباء يدفعون أبناءهم دفعا لممارسة تلك الثقافة مما يخلق حوافز نفسية لدى الشباب بشرعية ما يعملون، حيث يكتسب الأطفال المبادئ الأخلاقية فى جوانب الحلال والحرام داخل الأسرة، فلا خلاف أن المبادئ تترسخ فى ذهن وسلوك الأفراد عن طريق الاكتساب التربوى والمعاملاتى ولا تنتج عن الوعظ، بل تعتبر التوعية اللفظية بمثابة تحريك للماء الراكد لدى الأفراد، لذلك فإن تلك المقدمات السلبية أدت إلى تلك النتائج السلبية التى نحصد ثمارها المريرة فى انتشار الإرهاب والابتزاز والتطرف والعنف والإلحاد.
من جانبه أكد د. شحاتة زيان أستاذ علم النفس بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية ورئيس قسم بحوث الجريمة أن لعب القمار والمراهنات الرياضية فى المباريات على السوشيال ميديا أو المواقع الالكترونية نوع من الإدمان ويحدث نتيجة استثارة ذهنية وفق أحلام الثراء السريع بسبب الإعلانات الخادعة بظهور أشخاص يحصلون على مبالغ حصل على 250 ألف جنيه مكسب بسبب لعبة كذا مما يسبب حدوث هوس لدى الشباب والإعلانات كثيرة ومثيرة منها «العب واكسب «وأصحاب هذه المواقع لديهم قدرة فائقة على تصميم اسماء جميلة وبراقة لإستثارة هووس بعض الشباب بالوصول العاجل لتحقيق أطماعه.