هل باتت منزوعة الدسم أو مجرد لافتة معلق عليها «عفا عليها الزمن» هل أصابها الهزال وهى فى عمر الزهور قياساً بأعمار الشعوب.. هل هى بحاجة إلى التغيير لتدب الحياة ثانية فى أوصالها وتدفق الدماء فى شريانها.. أم ستلحق بسابقتها ويكون مصيرها الفشل.. فيحتاج العالم إلى بديل آخر وبمسمى آخر يكون أكثر قوة وعدلاً وردعاً لمن يحاول المساس به وتسفيه قراراته.
هذه التساؤلات وغيرها.. قفزت إلى ذهني.. بعد الحال المزرى الذى وصل إليه والصدمات والضربات الموجعة تحت الحزام وتعمد الانتقاض من قدرها وهامتها كمؤسسة دولية كانت الامل والسند للمظلومين والمظلة التى يستظل تحتها الكثير من الشعوب المغلوبة على أمرها.. إنها المنظمة الدولية للأمم المتحدة.. التى قامت على أنقاض عصبة الامم المتحدة بعد تفشيلها عمداً فى مهام أعمالها المنوطة بها والتى من أجلها أنشئت عام 1920 أعقاب الحرب العالمية الأولى التى أكلت الاخضر واليابس وراح ضحيتها الملايين من البشر وزادت الحركات الاستعمارية واستعباد الضعفاء فكانت الحاجة إلى مؤسسة دولية تنظم حركة العالم وتوقف الاستبداد والظلم وتحقق العدالة والمساواة والحياة الكريمة لكل شعوب العالم بلا استثناء.. فما الذى حدث وأصاب هذه المنظمة الاممية فى مقتل؟!
الحقيقة تصرفات الولايات المتحدة الامريكية تجاه تلك المنظمة باتت غير مقبولة بالمرة.. ومحل استياء.. لانها تحابى اسرائيل الحليف الاستراتيجية بشكل أعمي.. جعلها لا تحترم المنظمة الدولية ولا قراراتها.. دفاعاً عن اسرائيل رغم معرفة العالم أجمع بأنها دولة غاصبة لفلسطين بموجب وعد ظالم اسمه بلفور عام 1917 فقد تعمدت تل أبيب ومازالت للان ممارسة سياسة الارض المحروقة فى غزة متخذة من طوفان الاقصى فى 7 أكتوبر الماضى ذريعة لإفتاء شعب باكمله وليس حماس واقتلاع اصحابها من أرضهم أو تهجير الشعب الفلسطينى مشيراً إلى سيناء كوطن بديل وعندما أرادت الامم المتحدة التدخل بموجب مواثيقها وبناء على طلب من بعض الدول تجاهلت اسرائيل واستمرت فى إبادة شعب أعزل.. بتشجيع من واشنطن صاحبة السيادة الدولية والمتحكمة للأسف فى مصائر الشعوب ومنها الامم المتحدة حيث تصدت بالفيتو لأكثر من قرار أممى ضد اسرائيل.. بل تعدى طغيانها بتهديد قضاة الجنائية الدولية عندما تم المساس بقدسية رئيس الوزراء نتنياهو ووزير حرب حكومته اليمينية المتطرفة.. وطالبوا بملاحقتهما جنائياً لاعتبارهما من الارهابيين..
الغريب لم تتعظ واشنطن مما حدث لعصية الامم المتحدة رغم ان المؤسس هو الرئيس الامريكى «ويلسون» عام 1919 بعدما كانت مجرد فكرة طرحها الفيلسوف الالمانى كانط فى القرن الـ 18 وكان من أهم أهدافها منع نشوب أى حرب والحد من انتشار الاسلحة وتسوية المنازعات الدولية عبر التحكيم الدولى وحماية الاقليات وغيرها والاغرب لم تنصف واشنطن بصرخات الضحايا فى محرقة غزة ولا لنداء غالبية دول العالم ولا لتظاهرات الطلاب فى غالبية الجامعات الامريكية ولا حتى الاوروبية فلم تعدوا نسمع ولاترى إلا بعيون تل أبيب وأعماها الحليف الاستراتيجى عن رؤية الحق وتحقيق العدل فراحت تشجيع اسرائيل على تحقيق مآربها بتكوين دولة من النيل إلى الفرات.. مهما كان الثمن.
صراحة ما تفعله أمريكا وحليفتها اسرائيل.. لايمكن تسميته إلا بالارهاب فلا قرارات الامم المتحدة ولا مجلس الامن أوقفت ممارستهما الظالمة تجاه الشعب الفلسطيني.. وتتصرفان وكأنهما فوق الامم والقانون.. الامر الذى جعل الكثير يفكر فى مصير تلك المنظمة الاممية.. وبشكل فى دورها كمظلة دولية وبالتالى خرجت بعض المطالب بالغاء تلك المنظمة واستبدالها بأخرى وهذا صعب أو المطالبة بتعديل الميثاق الاممى مثل الغاء حق الفيتو الظالم والذى تستخدمه واشنطن لصالح اسرائيل ومن أجل عيونها أو بتوسيع قاعدة مجلس الامن ليكون أكثر من ٥ أعضاء وان يكون هناك أعضاء من كل قارات العالم داخل مجلس الامن وألا يتم استخدام الفيتو من جانب دولة واحدة بالمجلس لتقليل الاستخدام الجائر ولتحجيم الظلم ومحاسبة الظالم.
واذكر واشنطن بمبدأ وونرو الذى أقرته بعد الحرب العالمية الاولى لتحسين علاقاتها مع دول أمريكا اللاتينية وضمان استقلالها ضد التدخل الاوروبى بغرض اضطهادهم عام 1823 كما نادى المبدأ بأن امريكا لن تسمح بتكوين مستعمرات جديدة للاوروبيين فى الامريكتين أو التوسع وهذا المبدأ ظل العمل به حتى زالت المستعمرات وتحررت الدول اللاتينية.. ولاقى قبولاً من تلك الدول أو حتى غيرها وأكد المبدأ على عدم تدخل واشنطن فى شئون الدول الاخري.. فكيف لواشنطن وصناع القرار فيها.. تتناسى هذا المبدأ وتشجع فى نفس الوقت اسرائيل على ابتلاع ما تبقى من الدولة الفلسطينية وهو 20 ٪ فقط من الارض التى مساحتها 28 ألف كيلو تقريبا.
أتمنى كغيرى ألا يكون مصير الامم المتحدة مثل مصير «العصبة» الماضية بسبب الممارسات الظالمة لقوتين كانتا الاعظم فى ذاك الوقت وهما بريطانيا العظمى وفرنسا.. ثم بعد ذلك ألمانيا.. عندما مارس هتلر ضغوطه وتجاهل عصبة الامم المتحدة كى يتحايل على قرارها ويقوم بإعادة تسليح الجيش الالمانى بعدما فرضت الدول المنتصرة على بلاده فى الحرب العالمية الاولى بعدم التسلح وتقليل عدد أفراد الجيش والاكتفاء فقط بقوات أمن لحفظ الامن بالداخل.
صراحة العالم.. فى حاجة إلى إقرار السلام والامن.. فقد انفض زمن الاستعمار وبناء المستعمرات.. ولم تعد هناك دولة محتلة سوى فلسطين فقط.. والعالم فى حاجة أيضاً إلى جهود الامم المتحدة.. بدلاً من الانجرار إلى حرب عالمية ثالثة لايعلم مداها إلا الله سبحانه وللأسف الشواهد والسيناريو التى تلوح فى الافق تشير إلى ذلك خاصة فى ظل وجود دول كبرى مثل الصين وروسيا ومعهما فى الغالب كوريا الشمالية.. لايستهان بها وقتها لن تقوم الكثير من الدول قائمة وربما تكون الهاوية وما أدراك ما هية والله أعلم!!