اقتصادنا.. يمتلك مقومات التنمية على المدى الطويل
التحديات العالمية.. واجهتى نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى
قال د.وليد جاب الله خبير التشريعات الاقتصادية، ان مصر أنفقت مئات المليارات لإنشاء بنية تحتية عملاقة في قطاع التكنولوجيا، وتمتلك بنية بشرية واعدة وقادرة، والأمر يحتاج مرونة أكبر من القطاع الخاص للتوسع في هذا القطاع ولجهود حكومية في مجال تحديد الشرائح المُستهدفة من مُستثمري التكنولوجيا في الداخل والخارج ومُخاطبتهم، وتحفيزهم لأجل زيادة حجم نشاطهم في هذا القطاع.
وأَضاف فى حواره مع «الجمهورية الأسبوعي» ان الحكومة قامت بتحديد الفجوة التمويلية وتدبير نحو 60 ملياردولار لتغطيتها خلال السنوات الأربع القادمة عبر إجراءات وحزم تمويل أهمها صفقة رأس الحكمة، والاتفاقات التمويلية مع صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والاتحاد الأوربي.. وإلي نص الحوار:
> بداية ما تقييمك للمشهد الاقتصادي المصري والعالمي في المرحلة الحالية؟
> > الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة مخاض عسير لميلاد مرحلة جديدة من مراحل تطوره، ولكن ذلك يحدث بخشونة، وصلت لحد تكسير العظام بين القوي والتكتلات الكبري رغبة من الجميع في فرض وجوده بصورة أكبر في عالم المُستقبل، وهذا الأجواء تسببت في أضرار كبيرة للمواطنين في كل أنحاء العالم، وتحمل البسطاء تبعاتها في صورة ارتفاع لأسعار الطاقة، ومُبالغة في تكاليف الشحن، وارتفاع تكاليف عناصر الانتاج بصفة عامة بفعل اتساع نطاق العقوبات التجارية لأكبر مدي تاريخي لها.
وفي مصروبعد نجاح كامل لبرنامج الإصلاح الاقتصادي خلال الفترة (2016-2019) وجدت مصر نفسها تواجه تحديات عالمية مُتتالية مُنذ ظهور فيروس كورونا، وما تلاه من أحداث أخطرها الحرب الأوكرانية وما ارتبط بها من عقوبات عصفت باستقرار سلاسل الإمداد بصورة بلغت مداها مع اندلاع الحرب في غزة وتأثيرها علي حركة الملاحة في البحر الأحمر، ووسط كل ذلك تعاملت مصر مع الأحداث من خلال سيناريو أول بأن تستقر الأوضاع في مدي قصير، وفيه تحمل الدولة الفاتورة كاملة نيابة عن المواطن وقامت بتنفيذ ذلك، ولكن ما تحقق هو السيناريو الأصعب وهو استمرارالتحديات العالمية في المدي الطويل وهو ما استلزم مُشاركة المواطن في تحمل العبء في ظل تحديات كبري وغير مسبوقة علي مالية الدولة المصرية.
> وماذا عن السياسات الاقتصادية التي واجهت بها الدولة تلك التحديات العالمية؟
> > بدأت الدولة بنموذج قائم علي «التشدد النقدي» من البنك المركزي بما في ذلك سياسة رفع تدريجي لأسعار الفائدة، وفي المُقابل سياسة تيسير مالي موجه من الحكومة يتم من خلاله تقديم أكبر قدر من التيسيرات لقطاع الأعمال، وزيادة الدخول للمواطنين، ومن طبيعة هذا النموذج أنه يصلح في الأمد القصير وفقاً للسيناريو الأول السابق ذكره، ولكنه لايمكن استمراره في المدي المتوسط أو الطويل، وهذا الأمرما دفع الحكومة مؤخراً لتبني نموذج قائم علي «التشدد النقدي»، والمالي معاً يركز علي رفع أسعار الفائدة، وخفض الانفاق الحكومي الاستهلاكي والاستثماري، مع اتخاذ إجراءات إضافية تُحفز نشاط القطاع الخاص المحلي والأجنبي لقيادة النمو بما في ذلك جذب استثمارات أجنبية مُباشرة، والإسراع من الخطوات التنفيذية لتطبيق وثيقة سياسات ملكية الدولة، مع استمرار زيادة مُخصصات سياسات الحماية الاجتماعية.
> ما مظاهر ذلك في موازنة العام المالي القادم «2024-2025»؟
> > تشهد موازنة العام المالي القادم، ولأول مرة وضع سقف للإنفاق الاستثماري الحكومي العام لايتجاوز تريليون جنيه، بعد أن كان قد وصل إلي نحو 1650 مليار جنيه في العام السابق 2023-2024 وقد ارتبط ذلك بالإعلان عن الإبطاء في مشروعات البنية التحتية التي تقوم بها الجهات العامة، وهو التوجه الذي سيكون له دور مهم (مع إجراءات أخري) في تحقيق الفائض الأولي المُستهدف وقدره 3,5٪ من الناتج المحلي، بما يضمن دفع الدين العام إلي مسار تنازلي،وللحد من الآثار السلبية لسياسات التشدد المالي تبنت الموازنة زيادة مُخصصات الانفاق الاجتماعي بما فيها زيادة مُخصصات الرواتب لتصل إلي 575 ملياراً، وزيادة مُخصصات التعليم والصحة بنسبة 30٪ فضلاً عن زيادات بنسب مُتفاوتة في كافة عناصر الحماية الاجتماعية.
> ما تقييمك لتلك السياسة المالية.. وهل ستنجح في تجاوز التحديات القائمة؟
> > نموذج التشدد المالي والنقدي فرضته الظروف العالمية، ولا يوجد بديل له، وتُعالج تبعاته من خلال مُشاركة أكبر للقطاع الخاص تفتح الباب لخلق وظائف وزيادة الإنتاج من خلال دوائر اقتصادية لا تشترك فيها الحكومة، وعندما نكون أمام نموذج من السياسات يرتبط بمشاركة القطاع الخاص، فإن هذا الأمر يكون أصعب، حيث إن مدي النجاح مُرتبط بقطاع من المُستثمرين لا يمكن إلزامه بالتوسع في النشاط، وهنا تكون ضمانة النجاح متوقفة علي جودة برامج التحفيز، والإدارة المرنة للمُتغيرات، والفهم الأمثل للشرائح المُستهدفة من المُستثمرين وأصحاب رءوس الأموال.
> وماذا عن دور التشريعات الاقتصادية في تجاوز التحديات الحالية؟
> > التشريعات عموماً تدور ما بين الثبات بما يحمله من استقرار قد يحتاج لتطور، وبين المرونة التي تتعارض مع ميزة الاستقرار التشريعي، والنجاح التشريعي يدور بينهما، ولكن المُلاحظ هو المرونة التشريعية السريعة خلال السنوات الأخيرة حيث نجد أن بعض القوانين يتم تعديلها بصورة شبه سنوية، وهو الأمر الذي إن كان يعكس مرونة فإنه أيضاً يعكس عدم القراءة الكاملة للواقع الذي يصدر التشريع لمواجهته، كما أنه يخلق حالة من الترقب التشريعي تحد من تجاوب الشرائح المُستهدفه مع القواعد التشريعية، وهو ما حدث في تشريعات مثل قانون التصالح في مُخالفات البناء الذي صدر وتم تعديله أكثر من مرة في فترة وجيزة، ومازال يحتاج لمزيد من الترويج حتي ينجح بعد أن كان إصداره بمثابة مطلب شعبي، بما يعني أن فكرة التشريع الذي يعتمد علي ألية التجربة والتعديل وفقاً لتفاعل الشرائح المُستهدفة لاتصلح دائماً ولا يمكن التوسع فيها.
> ما أفضل السبل للمُعالجة التشريعية خلال الفترة القادمة؟
> > نحتاج لدراسات مُتكاملة للأثر التشريعي للكثير من التشريعات الاقتصادية الحالية،وعلي سبيل المثال، ملفا البناء في المُدن القديمة، وتسجيل العقارات، تم التصدي تشريعاً لإعادة تنظيمهما، ولكن ترتب علي ذلك تباطؤ شديد في حركة البناء بالمدن القديمة، مما حمل الدولة عبء التصدي بتنفيذ مشروعات عقارية تستوعب عمالة ذلك القطاع.
> هل يُمكن ان يُساعد زيادة نشاط القطاع الخاص في التشييد بالمدن القديمة علي علاج ظاهرة الزيادة الكبيرة في إيجار المساكن مع زيادة أعداد اللاجئين؟ وهي ظاهرة يُعاني منها قطاع كبير من المصريين؟
> > نعم بالتأكيد زيادة نشاط إنشاءات القطاع الخاص سيُساعد علي زيادة المعروض السكني مما يدفع نحو السيطرة علي ارتفاع متوسط القيم الإيجارية، ولكن يجب أيضاً أن يواكب ذلك إصدار تشريع لإصلاح قوانين الإيجار القديم بما يدفع نحو عودة أكثر من مليوني وحدة سكنية مُغلقة لأصحابها لتكون إعادة طرحا بالسوق بمثابة زيادة كبيرة في المعروض السكني، أو شغلها من أصحابها فينخفض الطلب علي الإيجار مما يُساعد بصورة كبيرة علي تنظيم سوق الاسكان وزيادة الإيرادات العامة من الضرائب العقارية.
> وكيف تري دور القطاع في زيادة نشاط القطاع التكنولوجي؟
> > قطاع التكنولوجياً هو قطاع حديث ومرن ويقبل التطور السريع، وقد أنفقت مصر مئات المليارات لإنشاء بنية تحتية عملاقة في هذا القطاع، وتمتلك أيضاً بنية بشرية واعدة وقادرة، والأمر يحتاج لمرونة أكبر من القطاع الخاص للتوسع في هذا القطاع ولجهود حكومية في مجال تحديد الشرائح المُستهدفة من مُستثمري التكنولوجيا في الداخل والخارج ومُخاطبتهم، وتحفيزهم لأجل زيادة حجم نشاطهم في هذا القطاع.
> كيف تري المستقبل الاقتصادي المصري القريب؟
> > الاقتصاد المصري يمتلك كافة مقومات التنمية في المدي البعيد بعد أن تعززت تنافسيته من خلال إنفاق تريليونات الجنيهات في إنشاء بنية تحتيه تُناسب المُستقبل، ولكنه كان يواجه أزمة سيولة عملات أجنبية في المدي القصير، وقد قامت الحكومة بتحديد الفجوة التمويلية وتدبير نحو 60 مليار دولار لتغطيتها خلال السنوات الأربع القادمة عبر إجراءات وحزم تمويل أهمها صفقة رأس الحكمة، والاتفاقات التمويلية مع صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والاتحاد الأوربي، كما أن الدولة المصرية تنطلق في عمليات الاصلاح الهيكلي بما يُمكنها من استكمال تحقيق مُستهدفاتها لاستراتيجية التنمية 2030 وهي قادرة علي ذلك.