قالت د.رباب الشريف عميد كلية الدراسات العليا للنانو تكنولوجى فى جامعة القاهرة وزميل كلية الدفاع الوطنى فى الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية ان «علم النانو تكنولوجي» هو قاطرة كل العلوم وسند عملية التنمية المستدامة، وصانع وظائف المستقبل وان مصر تخطو خطوات شديدة الأهمية فى هذا الاتجاه وفى مجالات متنوعة.
وأضافت فى حوار مع «الجمهورية الأسبوعي» تحدثت فيه عن تفاصيل كثيرة، أن توجيهات القيادة السياسية، كانت السند الحقيقى فى الاهتمام بهذا العلم، والاستفادة من اسهاماته فى كثير من المجالات التنموية وفى علوم مختلفة خاصة فى الطاقة والغذاء والمياه والصحة والتعليم وأمور أخرى كثيرة.
.. وهذا نص ما دار معها من حوار:
> بداية نريد أن نتعرف على النانوتكنولوجي.. كونه يقود أدوات الثورة الصناعية الرابعة المقصود به؟ وما فوائده؟
>> علم النانو تكنولوجى ظهر للنور منذ بداية الثمانينيات ولكنه علم قديم منذ الفراعنة لأن كلمة « نانو» كلمة أغريقية وفرعونية قديمة فيقصد بها باللغة الهيروغليفية كلمة «نون» هو الطفل صغير الحجم فهى «مقياس مترى صغير الحجم» ويعنى بالنانوتكنولوجى هى تقنية المواد صغيرة الحجم أو المقياس المترى متناهى، أى شيء لا يرى بالعين المجردة حيث المتاح للشخص الطبيعى أن يرى بالعين المجردة إلى 10000 نانو متر.
> ما هى فوائد علم النانوتكنولوجى التى يمكن الاستفادة منها فى مصر؟
>> الفوائد عديدة وتكمن فى قدرته على تصغير حجم أى مادة من الفحم أو المعادن الثمينة ذهب أو بلاتين أو فضة أو النحاس أو الكربون أو الحديد فيصل لحجم «النانو»، فنحصل على مادة جديدة نطلق عليها «مادة خام سوبر» وصفاتها تتغير إلى الأفضل، مثل «الكربون أو الفحم إذا تم تحضير نانو كربون فنحصل على الجرافيت وهو خفيف الوزن ومثل الورقة والصفات الميكانيكية الخاصة به أقوى من الحديد الصلب 6 أضعاف»، وأصبحت بعد ذلك أقوى 100 مرة وهى أنابيب الكربون الناناوية ونحن قادرون على استخدامها فى المنشآت، والأرضيات، والحوائط لانها تعطى صلابة ومرونة فى ذات الوقت واليابان تستخدم هذا منذ سنوات فى الأبنية المقاومة للزلازل منذ « ريتشارد فايرمان» وهو أبو النانوتكنولوجى والحائز على جائزة نوبل فى الفيزياء من أمريكا وهو أول عالم أكد أن النزول للقاع سوف يظهر عالماً جديداً، أى النزول لما لا يرى بالعين المجردة وهى «الثورة العلمية للمواد».
> كيف يمكن الربط بين كلية النانوتكنولوجى؟ وأهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030؟
>> هناك صلة وثيقة جداً بين إنشاء الكلية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة فى مصر، وأنشئت بإرادة سياسية قوية ورشيدة، وكان لنا الشرف فى عيد العلم فى 2018 أن نلتقى مع الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى قال إنه يتمنى أن يرى التكنولوجيا الحديثة البازغة موطنة على أرض مصر وبأياد مصرية، وأتمنى أن أرى جامعة القاهرة وجميع الجامعات العريقة فى مصاف التصنيف الدولى، وهذه كانت رسالة ومسئولية كبيرة لنا جميعاً. وعقب ذلك كانت هناك اجتماعات مستمرة مع رئيس جامعة القاهرة لتحويل المركز المصرى للنانوتكنولوجى إلى كلية لتصبح جامعة القاهرة بهذه الكلية الأولى فى مصر والشرق الأوسط وأفريقيا. وهى وثيقة الصلة بـ17 هدفاً للتنمية المستدامة ففى قلب هذه الأهداف 5 أهداف رئيسية هى «الطاقة النظيفة، المياه النظيفة، الصحة الجيدة، الغذاء الجيد، التعليم الجيد» ويمكن تحقيق كل ذلك من خلال النانوتكنولوجي.
> ما وضع مصر عالميا من هذه التقنية.. وهل يتم الاستعانة بخبراء أجانب لتطبيقها أم لدينا عناصر وكفاءات فى هذا المجال؟
>> وضع مصر فى هذه التقنية يتقدم بصورة سريعة جداًً، حيث بدأت فى الألفية الثالثة من خلال مشاريع البحث، وفى عام 2020 حدثت طفرة كبيرة وبدأت مصر تأخذ وضعاً كبيراً على مستوى العالم. فقد وصلنا بجهود أياد مصرية أن يكون ترتيبنا 32 على مستوى العالم من 30 ألف جامعة، والآن أصبحنا فى مستوى 16 على العالم من ضمن 30 ألف جامعة تعمل فى مجال البحث العلمى للنانوتكنولوجى وتم افتتاح الكلية فعلاً فى مايو 2021 وهى قائمة على عناصر وخبرات وكفاءات مصرية فقط. قُمنا بايفادهم للخارج واكتسبوا خبرات وتم التطبيق هنا فى مصر بشهادة الاستشهادات من عدد من الباحثين المصريين فى مجال النانوتكنولوجي.
> وكيف تساهم هذه التقنية فى تلبية العديد من حاجات الإنسان فى الكثير من المجالات الحياتية وتحسين القطاعات التكنولوجية والصناعية والطاقة والزراعة.. وغيرها من القطاعات؟
>> هذا العلم يخدم كل التخصصات فى مصر، سواء المجال الطبى أو الهندسى أو الزراعى أو العلوم الأساسية أو الحاسبات والمعلومات والكمبيوتر والذكاء الاصطناعي. والكلية تستقبل كل خريجى الكليات العلمية ليقوموا باستكمال الدراسات العليا لأنها كلية بينية تخدم التخصصات العلمية كلها.. وبناءً عليه يكون لنا تطبيقات فى كل هذه التخصصات، وفى المجال الطبى والصيدلى وطب الأسنان للنانوتكنولوجى بحوث وتطبيقات ملموسة، وكثير من الطلاب يدرسون ماجستير فى كيفية مقاومة الأمراض السرطانية المختلفة بالنانو تكنولوجي.
> ماذا عن استخدامات النانو تكنولوجى فى مجال الزراعة الدقيقة والمستدامة فى مصر؟
>> فى المجال الزراعى المصرى لدينا خطوات جادة وملموسة وفى حيز التطبيق فى مجال الأسمدة، والبذور واستخدام النانوتكنولوجى فى تحسين جودة البذور، وتقضى على الآفات الزراعية، وتحسين جودة التُربة نفسها، وأحدث مثال تطبيقى آت توجهنا أنا وفريق العمل لمحافظة الوادى الجديد، لأنها تمثل 40٪ من مساحة مصر، وكان الهدف أنه بالتكنولوجيا الحديثة نستزرع الأرض صعبة الزراعة أو حل المشكلات الموجودة بالفعل فى أمراض عدد من المحاصيل الزراعية وأشهرها «سوسة النخيل»، وكيفية القضاء عليها باستخدام النانوتكنولوجى، وكيفية تحسين جودة التُربة التى هى رملية فى بعض الأماكن هناك وتحويلها لتُربة قابلة ومنع تسرب المياه.
> ماذا عن البرامج التى تخدم مجال الطاقة المتجددة وتساعد فى تطوير وسائل النقل البديلة المستدامة وخلايا الوقود التى تتيح الحصول على طاقة نظيفة ومستدامة؟
>> نحن مهتمون جداً بقطاع الطاقة النظيفة والمتجددة، خاصة التخصص دراستى وتم استحداث دبلومة جديدة وهى «دبلومة الطاقة الشمسية» بهدف تجهيز وتركيب اجهزة الطاقة الشمسية لأنها من أكثر المجالات الواعدة فى مصر، وهذا تنفيذ لتوجيهات الرئيس بأن تكون مصر مهيأة كمركز لتصدير الطاقة النظيفة للعالم كله لأننا نتميز بتوافر الطاقة الشمسية على مدار السنة بكمية كبيرة وسطوع مستمر وهذا يجعلنا نمتلك خلايا كثيرة تحول الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية ولدينا أكبر محطة طاقة شمسية وهى «محطة بينبان» فى أسوان وحالياً نقوم باستخدام تقنية النانوتكنولوجى فى تحسين كفاءة الخلايا الشمسية.
أيضاً لنا دور فى تحسين كفاءة طاقة الرياح، خاصة فى منطقة البحر الأحمر حيث إن المراوح المستخدمة فى هذه الطاقة ثقيلة الحجم وصعبة الرفع والانتقال، وبدأنا باستخدام مواد صغيرة نانومترية فى تصنيع هذه المراوح بحيث تكون خفيفة الوزن ومواصفاتها الميكانيكية أعلى بكثير من الحديد والصلب فتصبح أكثر تحملاً فتزداد سرعة الرياح بها وبالتالى تزيد من سرعة تحويل طاقة الرياح إلى طاقة كهربائية.
> مصر تتصدر الدول العربية فى مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر والتى تصل إلى 24 مشروعاً.. فهل للنانو تكنولوجى دور فى طاقة الهيدروجين الأخضر؟
>> فعلاً يتم تحويل الهيدروجين إلى الهيدروجين الأخضر ليصبح مصدراً للطاقة، بحيث يتم تحليل كهربائى للمياه وفصل الأكسجين عن الهيدروجين ثم ينتج الهيدروجين الأخضر، ويتم تخزينه واستخدامه كمصدر طاقة وهى إستراتيجية الدولة التى تعطيها الاهتمام الأكبر ولديها مشروعات عديدة فى هذا المجال، والمصدر النظيف والمتجدد الذى يفصل المياه بالتحليل الكهربى هو الطاقة الشمسية.
> ما تفاصيل المشروع المشترك لتدوير المخلفات الإلكترونية تقوم به الكلية ويُعد خطوة فى الحفاظ على البيئة، وماذا عن عوائده الاقتصادية؟
>> هو مشروع خاص بقطاع البيئة وتقدمت به الكلية ولقى ترحيباً كبيراً من الجامعة بالإضافة لشريك صناعى «شركة» تساعد مادياً بحيث نستطيع تطبيق ذلك المشروع، والجامعة وفرت لنا أرضاً فى طريق الواحات كمصنع صغير لتدوير المخلفات الإلكترونية الناتجة من كل كليات جامعة القاهرة وهو بذرة أولى، للمشروع ونستطيع تدويرها، حيث إننا نستطيع استخراج المعادن مرة ثانية وبصورة نقية وبدون إخراج للغازات الدفيئة مثل ثانى أكيد الكربون وبتساعد على توفير طاقة بصورة كبيرة، بالإضافة إلى خطة كلية النانوتكنولوجى أنه بعد استخراج تلك المعادن نقوم بمعالجتها وتحويلها إلى الشكل النانوى لكل معدن كجزيئيات فنعظم الفائدة المستخدمة منه وكل ذلك يعود بعوائد اقتصادية كبيرة على مصر حيث مصر تنتج 3 ملايين طن مخلفات إلكترونية فيتعامل بها بطريقة علمية آمنة وصحية لا تسبب سرطانات نتيجة التلوث البيئى لها.
> كيف تم الاستفادة فى مجال مواجهة الأمراض السرطانية من خلال استخدام مواد نانومترية، من دون أن تضر بالخلايا السليمة، التى يحدثها العلاج الكيماوى والاشعاعي؟
>> هى من أكثر المجالات التى نعمل عليها فى الكلية، بدأنا بعد أستاذنا مصطفى السيد، فهو نموذج مشرف للمصريين فى الخارج فى كاليفورنيا.. زوجته كان لديها مرض السرطان ووجه أبحاثه لهذا المجال فبدأ ينتج النانوجولد الذى استخدم لعلاج بعض السرطانات من خلال حقن المكان الموجود فيه السرطان ثم يُمرر عليه ضوء من الليزر ويكون الطول الموجى له يتماشى مع المكان والحجم الموجه له بحيث يفتت الخلايا السرطانية فقط دون المساس بالخلايا السليمة ولكن مع الاستخدام على المدى الطويل اكتشفوا أن النانو جولد له تأثير جانبى سلبى على الُكلى فيترسب عليها فيحدث سُمية وقد يؤدى إلى فشل كلوى، وهذه هى البداية لذلك بدأنا نستخدم مواد نانومترية آمنة .. وتقوم داخل الكلية فى المعمل وفى حالة نجاحها نقوم بعمل تجارب سريرية على متبرعين لديهم هذه المشكلة و بعد نجاحها يتم تطبيقها.
> هل هناك دور للنانوتكنولوجى فى عمليات الليزك وتصحيح الأبصار وضعف القرنية؟
>> له دور كبير فى عمليات الليزك وضعف القرنية، لأن شكل القرنية البيضاء شكل البيضة، وعندما نقوم بعمل الليزك بنقوم بإزالة الطبقة الخارجية لها بصورة رقيقة جداً ورفيعة لأن مع ضعف النظر هذه الطبقة الخارجية يبدأ يحدث لها اعوجاج، ويمكن من خلال النانوتكنولوجى وبعض المراكز الطبية بتستخدمه رغم أنه ما زال تحت التجريب بحيث تستطيع التقنية مع شعاع ليزر بسيط إزالة طبقة رقيقة وجزئية أقل سمكا دون أن يضر بالعين والقرنية فى حالة ضعف القرنية يدخل النانوتكنولوجى والبيولوجى والذكاء الاصطناعى، ومعا يحدثا «طابعة ثلاثية الابعاد» مكونة من نانو سيلفر ليس فيها أى ميكروبات وآمنة فاستطاعوا أنهم يعملوا «قرنية مخروطية» من خلال أخذ الخلايا الجذعية للمريض ويضعها على الطابعة ثلاثية الابعاد ويعطى الأوامر لطبع قرنية بهذه المواصفات ويطبعها ثم يزرعها وينطبق ذلك ايضاً على فصوص الكبد والكلى والأسنان ويطبق فعليا فى أمريكا وألمانيا ولكن مكلفة.
> كيف حولت الـنانوتكنولوجى، الخيال العلمى إلى حقيقة واقعية فى المجال الفضائى؟
>> بدأنا نسمع عن الرحلات السياحية الفضائية وأصبحت فى متناول المجتمعات الغنية والسبب فى ذلك هو «النانوتكنولوجي» حيث إن سفينة الفضاء التى تنطلق اصبحت تنتج بهذه التقنية وحجمها أصبح أقل، والوقود المستخدم فيها النانومترية فتحسن من كفاءته وتقلل تكلفته وبذلك أصبح التكلفة الاقتصادية للرحلة منخفضاً بالإضافة إلى الخيال العلمى المعزز من خلال الأسانسير الفضائى المحافظ للبيئة عابر للغلاف الجوى ليكون وسيلة نقل للأشخاص ولأدوات لمدة شهرين دون مخلفات فضائية عكس ما كان تسببه الصواريخ الفضائية.
> مصر تعمل على تصميم وتصنيع قمر صناعى للأغراض الزراعية والبحثية «نيو سات 1» تمهيداً لاطلاقه خلال عامين فما.. وكيف يستفيد به القطاع الزراعى؟
>> تستخدم الآن الأقمار الصناعية كوسيلة نقل معلومات وهو استخدام خاصية الاستشعار عن بُعد وتستطيع من خلال تحديد الأماكن القابلة للزراعة، وتحديد الأماكن التى يتوافر فيها المياه الجوفية، والمناطق التى يوجد فيها معادن ثمينة، واكتشاف البترول.
> فى ضوء التوجيهات الرئاسية من المتوقع أن يحقق عالم النانوتكنولوجى مجموعة متنوعة من فرص العمل فى كافة المجالات، وقد تظهر أدوار وظيفية جديدة فهل لدينا استعداد لوظائف المستقبل؟
> > طلب منا أن نقدم ملفًا لأكاديمية البحث العلمى لتقديمه للدولة عن «وظائف المستقبل» لأنه مع وجود تقدمات تكنولوجية متتابعة يحدث اندثار لبعض الوظائف وتنتهى تماماً، وظهور لوظائف جديدة، بالنسبة لمجال النانوتكنولوجى هو سوق، ينتج متخرجاً فى النانوتكنولوجى فى مجال الهندسة، وآخر متخصص فى الطب، والزراعة ويذهب لمجاله لتطبيق التقنية فى هذا القطاع.
نحن فى عصر لابد أن كل إنسان يشتغل فيه على نفسه ويربط كل ما هو جديد فى التكنولوجيا بمجال تخصصه حتى يستطيع أن يقدم الجديد ويتجنب السلبيات التى كان يعانى منها فى الأساليب التقليدية، وهذا فى ظل المنافسة والصراع، فلابد من إضافة مهارات جديدة لنفسك حتى تتميز فى وسط هذه التكنولوجيا المتسارعة.