بصرف النظر عما ارتآه البعض بأنه مقصود وموظف ذلك الاستهجان لزيارة أحد المواطنين وزوجته للمتحف الكبير بالجلباب المصرى المعروف إلا أن المؤكد أن مشكلة حدثت فى الذهنية المصرية على مدى سنوات بعيدة تحتاج علاجا أيضًا على مدى سنوات بعيدة أيضًا كما تحتاج إرادة الانتصار للتقاليد المصرية بحيث يشارك الجميع بهمة وحرص وإيمان فى هذه المهمة التى تعيد المصرى إلى مصريته التى تدرك أن مصر هبة الزراعة التى قامت أول ما قامت على ضفاف النيل فاستقر الإنسان المصرى وأدرك بالإله الواحد من خلال الزراعة فضلا عن الرسل التى جاءت اليه خاصة «سيدنا إدريس» والرسل التى مرت بأرضه عامة يقول تعالى «وإن من أمة إلا خلا فيها نذير « فقد أدرك العقل المصرى وجود الله من خلال البذور التى يبذرها فتخرج له أزواجا من نبات شتى وحيث يفيض النيل فيأتى بالخير ويغيض فتموت الأرض وتضن بما فى بطنها من حياة وخير فعاش المصرى يؤمن أن الزراعة والفلاح هما الأصل والأساس يفخر بهما ويحرص على علاقته بهما ولا يفرط فى أرضه وزرعه إلا مضطرا كارها ، يؤمن بعلاقة بينه وبين خالقه الذى يهب له النماء والماء وقد أشار القرآن الكريم فى كثير من موضع فى القرآن الكريم إلى هذه العلامات المرشدة إلى وجوده يقول تعالى : «..وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى» طه .
إلا أنه على مدى سنوات طويلة أصبح تحقير الفلاح والزراعة لصالح مهن أخرى مثلما حدث من حط لقيمة التعليم لصالح الفهلوة وغيرها من السلوكيات التى لا تأتى للامم إلا بما يؤخرها.
ثم الحط من التعليم الوطنى لصالح التعليم الخاص والاجنبى وقد كان الذهاب فى الماضى الى التعليم الاجنبى يضطر اليه الطلاب الضعفاء.
فأصبح التعليم الأجنبى بغية وفخر الكثـرة الكاثرة من الأسـر وهو تعليم لا يعبأ بتاريخ البلد وإنما بتاريخ البلاد التى جاء منها كما لا يعبأ بتقاليدها وقيمها بل يحرص على بث تقاليد وقيم بلاده والأمثلة التى حدثت أزمات كثيرة لا تكاد تحصى ،كما حقر من اللغة الرسمية للبلاد، يكفى أن نذكر أن «دنلوب» الإنجليزى مستشار وزارة التعليم إبان الاحتلال الإنجليزى لمصر جعل مرتب مدرس اللغة العربية أربعة جنيهات ومرتب غيره من مدرسى المواد الأخرى إثنى عشر جنيها ، وشارك فى ذلك التحقير مؤسسات فى المجتمع سواء أكانت خاصة أم عامة فأصبحت اللغة العربية ليست مما يُشترط فى التوظيف وأصبح الخطأ فيها مما لا يستهجن وأصبحت اللغات الأجنبية شرطًا ، وليس بعيدّا عن الكثيرين أن التباهى بمعرفة لغة أجنبية صار موضة يخلط المتحدث فى بلده ألفاظًا كثيرة من لغات أجنبية ليبدو متحضرًا ولا شك أن كتابة أسماء المحلات باللغة الاجنبية آية من آيات تحقير كل ما هو وطنى بل صارت المراسلات والاوراق فى كثير من المصالح الخاصة الآن باللغة الاجنبية .
كما يشترط الدخول الى كثير من المحافل الرسمية بالزى الإفرنجى كالأوبرا كل ذلك جعل ذهنية الكثيرين الذين لم يقرأوا تاريخا وليس لديهم علاقة بالثقافة الأصيلة والتقاليد المصرية العريقة ـ تفهم الأمور بالمقلوب وتقع فى حالة من الهزيمة الحضارية بحيث تصبح تقاليد وسلوكيات الحضارات المغايرة بل الحضارات المعادية هدفا ونموذجا وحلمًا أى أنهم وقعوا فيما تقع فيه بعض الشعوب المهزومة ذى العمق الحضارى الهش وهو الذوبـان فى المسـتعمر الغالب أو فيما يقــولون ذوبـان الضــحية فى الجــلاد أو ما يسمونه متلازمة استوكهولم فينقلون عنه غثه وسمينه منبهرين به محتقرين ما عندهم .
الأمر أكبر من أن يمر إذا كنا جادين مدركين لخطورة ما يحدث فى المجتمع من تغيير بدت بعض آياته فى التنوع الغريب للحرب على غزة وفى امور كثيرة قد نعود الى الحديث عنها.









