العنوان أعلاه جملة أو تعبير نقرأ عنه ونسمعه كثيراً، خاصة فى أوقات الأزمات أو الظروف الصعبة التى تمر بها الدولة.. أى دولة.. ويرتبط بأشخاص بعينهم مما يجعلهم محط أنظار الغالبية العظمى من أبناء الشعب، ولكن يبقى السؤال من هو رجل الدولة، وما مواصفاته وإمكانياته التى تؤهله لنيل هذا اللقب وتلك الثقة؟!
بداية ووفقا لما ذكرته العديد من المصادر والدراسات فإن مصطلح رجل الدولة يطلق على الشخصيات التى تتولى مناصب مهمة فى الدولة.. حيث يجمع بين أمرين؛ اولهما، ممارسته لمهام وظيفية عامة تخدم المجتمع، والتى يمكن ممارستها بشكل فردى أو عبر إحدى مؤسسات المجتمع المدنى، وحتى هنا يمكن أن يسمى شخصية عامة، بمعنى أنّه وهب نفسه وما يمتلك من مواهب وقدرات وموارد لخدمة مجتمعه ووطنه الذى ينتسب إليه، ومن هذا المنطلق لا مانع أن يتقدم أى فرد من أفراد المجتمع لممارسة هذا الدور بشكل تطوعى كامل، أو نصف تطوعى عندما يتلقى مقابلاً رمزياً يستعين به فى حياته، وحتى يتمكن من الاستمرار فى أداء وتنفيذ هذا الدور المهم لخدمة المجتمع.
وبالتأكيد أنّ هذا المواطن يتميز عن غيره من بقية أفراد المجتمع الذين لا يهتمون ولا يتحملون شيئاً من مهام الشأن العام لخدمة المجتمع.
كما أنّ هذا المواطن يتمتع بقيم ومقومات لا يمتلكها غيره، وبالتأكيد هى التى دفعته لممارسة هذا الدور الخدمى العام، لعل فى مقدمتها، الإيجابية، والمبادرة، والعملية، والإيثار بتقديم المصلحة العامة على الخاصة، والعمل بروح الفريق الجماعى، كما يمتلك قدراً من مهارات وأدوات العمل التنظيمى والإدارى والقيادى، القدرة على إدارة ومواجهة الجماهير، وكثيراًً ما كانت مؤسسات المجتمع المدنى ميداناً خصباً لإعداد الكثير من قادة وزعماء العالم.
وعندما يتم ترشيح واختيار مثل هذا الشخص الممارس للعمل العام لخدمة المجتمع، عندها يتم اختياره لمهمة ووظيفة حكومية عامة فى مرتبة متقدمة من الجهاز التنظيمى للدولة ليتحملها بشكل رسمى، وتوكل إليه مهام وظيفية ومسئوليات تتبعها سلطات وصلاحيات لازمة لتنفيذ المهام الموكلة إليه، ليصبح بذلك أحد الممثلين الرسميين للدولة فى الموقع الذى يتولى مهمته ويتحمل مسئوليته، هنا يختلف الأمر كثيراًً عن العمل التطوعى الذى كان يمارسه من قبل بشكل هاوٍ، ولا يتعرض كثيراًً للمساءلة والمحاسبة، أماً الآن فقد أصبح مسئولاً عن المجتمع والوطن، كلّ الوطن فى المجال الذى يتحمل مسئوليته، كما أنّه لم يعد يمثل نفسه أو المؤسسة التى كانت يعمل فيها، حيث أصبح يمثل الوطن والدولة كلّ الدولة، وأصبح مؤتمناً على ما يمتلك من موارد وأدوات الدولة التى تقع تحت صلاحياته، كما أنّه أصبح مسئولاً ومحاسباً من أجهزة الدولة الرقابية، والمجالس النيابية التى تمارس الرقابة والتقويم باسم الشعب، كما أنّه مسئول تاريخياً عن الفترة التى تحمل فيها المسئولية، ناهيك عن حسابه النهائى أمام الله تعالى ليس عن نفسه أو أسرته إنما عن ملايين البشر من أبناء مجتمعه ووطنه.
من أهم المواصفات والسمات التى يجب أن تتوافر فى رجل الدولة، الاستقامة والنزاهة المشهود بها، القدرة على التفكير المنهجى المنظم والتفكير الإستراتيجى وإنتاج الأفكار والحلول والمبادرات، الاهتمامات والإنجاز المشهود له فى الشأن العام، وتقديمه له على شأنه ومصالحه الخاصة «الكاريزما» والحضور الدائم فى المشهد العام، علاوة على امتلاك رؤية مستقبلية واضحة وجادة فى أحد مجالات الشأن العامة والانفتاح والتواصل مع أبناء مجتمعه من كافة الطوائف، وامتلاك قاعدة علاقات عامة متنوعة، حيث هو موظف عام خادم للمجتمع كلّه وليس لحزب أو طائفة معينة، والمحاسب عن الشعب.
أخيراً وليس آخرا امتلاك عقل وفكر سياسى عام لا دينى أو طائفى فقط، وتجارى خاص، امتلاك خيال سياسى قادر على رؤية المشهد والمشاركة فيه.
ناهيك عن القدرات الإدارية والقيادية القادرة على حسن إدارة واستثمار الموارد المتاحة من البشر والأموال والمعرفة لتحقيق أهداف الجهة أو المؤسسة التى يعمل فيها على وجه الخصوص والمجتمع بصفة عامة.