
فى ليلة صنعتها الحكمة المصرية ودهشة التاريخ، كانت القاهرة على موعد مع حدث إنسانى عالمى سيظل حاضراً فى ذاكرة الثقافة البشرية، افتتاح المتحف المصرى الكبير، أضخم متحف فى العالم لحضارة واحدة، وعلى بابه وقفت مصر ترحب بالماضى وتفتحه نحو المستقبل.
من هضبة الجيزة إلى قاعات الذهب والبرديات والتماثيل الخالدة، توافدت وفود من 79 دولة يتقدمها ملوك ورؤساء وقادة عالميون، ليشهدوا ولادة صرح ثقافى لا يقدم لمصر وحدها، بل للإنسانية جمعاء، ومناسبة تؤكد أن حضارة وادى النيل مازالت تلهم العالم، وترسل ضوءها فى زمن العتمة والاضطراب.
وفى هذا المشهد المهيب، برزت وجوه أبرز الشخصيات العالمية، جاءوا ليقفوا أمام رمسيس، وتوت عنخ آمون، وأبوالهول وتجولوا فى الأسواق والشوارع التاريخية وزاروا المساجد القديمة ، كأن التاريخ يدعوهم لاكتشاف ذاته، وكأن مصر تعيد تعريف القوة الناعمة بأرفع صورها.
هدوء ملكى أمام العظمة
جاء الملك فيليب ملك بلجيكا إلى الافتتاح بحضوره الهادئ المعروف حضور يعكس احتراماً راسخاً للتاريخ ومعرفة بقيمة الحضارة، ظهر الملك بين الوفود الرسمية، يتأمل الواجهات الزجاجية الشاهقة والتماثيل التى تحيى آلاف السنين، فى زيارة حملت طابعاً بروتوكوليا رفيعاً لكنها أيضا أظهرت تقديراً أوروبياً صادقاً لهذا الصرح العلمى والثقافي.
كانت ملامح الدهشة حاضرة فى لحظات صامتة وثابتة، وكأن الملك يقرأ وجوه الفراعنة ليعيد ترتيب أسئلة الحضارة.
تالياً زار الملك فيليب منطقة سقارة الأثرية، وكان بصحبته الدكتور زاهى حواس وتجول داخل مقبرتى «ميريروكا» و»قاجمني» وهما من أبرز مقابر كبار رجال الدولة فى عصر الدولة القديمة، مبدياً إعجاباً كبيرآً بالنقوش الملونة المحفوظة بحالة متميزة، والتى تجسد مشاهد الحياة اليومية والعادات والتقاليد فى مصر القديمة، معرباً عن تقديره العميق للفن المصرى القديم وما يتسم به من دقه وحرفية عالية.
كما توجه إلى منطقة أبوصير الأثرية، حيث زار أهرامات ملوك الأسرة الخامسة المعروفة باسم «أهرامات ملوك الشمس» ووقف مشدوها أمام فلسفة بناء هذه الأهرامات وأبرز الاكتشافات الحديثة بالمنطقة، ومن بينها الكشف عن سلسلة من المخازن داخل هرم الملك ساحورع، ثانى ملوك الأسرة الخامسة (2400 ق.م) وأول من اتخذ أبوصير موقعاً لمجموعته الجنائزية.
كما زار ملك بلجيكا الأزهر الشريف والتقى الإمام الأكبر وتجول فى منطقة الحسين فى مشهد يعكس مدى الأمان فى بلد السلام.


ملك يقف على بوابة التاريخ
من إسبانيا وصل الملك فيليبى السادس، ملك يعرف جيداً قيمة الذاكرة التاريخية وتدوين الحضارات، وقف مشاهداً لفيلم حضارى مفتوح على الهواء الطلق، فى هضبة تحدث السماء منذ آلاف السنين..لم تكن زيارته مجرد بروتوكول، بل تحية لثقل مصر الحضارى ومكانتها الممتدة، ظهر فى الصور الرسمية بين قادة العالم، وكأنه يدرك لحظة ميلاد متحف سيظل مدرسة للباحثين وعشاق التاريخ.
أناقة عربية بين أجنحة الذهب والبرديات
لم تكن مشاركة الملكة رانيا العبدالله مجرد حضور ملكي، بل كانت حضوراً إنسانياً وثقافياً يحمل روح الشرق وعبق القرب بين مصر والاردن، بأناقتها الهادئة وابتسامتها المفعمة بالرقي، سارت الملكة رانيا فى أروقة المتحف تنصت لحكايات الفراعنة وكأنها تعيد قراءة تاريخ المنطقة بلغة الجمال والمعرفة.
فى تغطيات الصحافة العربية والعالمية، كانت الملكة واحدة من أيقونات تلك الليلة، شاهداً عربياً نبيلاً فى كرنفال عالمى يكرم مصر وحضارتها، وكتبت على صفحتها على الانستجرام « أحلى رحلة عبر الزمن مع حبيبتى سلمى» .
نجمة شمال أوروبا فى ليل القاهرة
من الدنمارك جاءت الملكة ماري اليزابيث، الوجه الملكى الذى اضاف للحدث بعداً إنسانياً راقياً، بحضور يجمع بين الرصانة الاسكندنافية والفضول الحضارى وقفت بين تماثيل الملوك المحاربين، والملكات الجميلات، وكأنها تستمع لوصايا ملكات مصر القديمة فى قوة القيادة ورقة الروح.
كان حضورها لافتاً فى المشهد الدولى حيث جسد مشاركة أوروبا الشمالية فى لحظة تقدير عالمى للحضارة المصرية.
اليوم التالى زارت الملكة مارى منطقة أهرامات الجيزة بدت حالمة أمام تمثال أبوالهول وممتنة لحضارة مصر القديمة وهى تتجول داخل هرم خوفو.. ثم زارت بشكل تفصيلى المتحف الكبير ووقفت مذهولة أمام قناع توت عنخ آمون ومشدوهة من ملامح الملك الصغير التى يلفها الشموخ ويكتنفها الغموض.
فى تلك الليلة، لم تكن مصر تستعيد الماضي، بل كانت تصنعه من جديد.
لم تكن تستقبل الضيوف فقط، بل كانت تمنح العالم درساً فى القوة الحضارية، والتسامح الثقافي، والارادة التى تقيم متحفاً على مقربة من أهرامات هى أقدم من التاريخ المدون.
من أمام المتحف المصرى الكبير، فهم العالم مجدداً أن مصر ليست وطناً فحسب.. انها ذاكرة الانسانية وموطن فجرها وشعلة مستقبلها.
المشهد الآخر، كان لرئيس وزراء هولندا ديك سوخوف، ورئيس وزراء بلجيكا بارت دى فيفر اللذين قاما بممارسة رياضة الجرى صباحاً فى قلب القاهرة على كورنيش النيل، فى مشهد لفت الأنظار وأكد إحساسهما الواضح بالأمان فى مصر.









