ملحمة مصرية جديدة، ومَعلم حديث يجمع بين الماضي والحاضر، ويسافر إلى آفاق المستقبل، فتواصل مصر بناء المشاريع العملاقة وغير المسبوقة والتي لا مثيل لها على ظهر الكوكب، أرى المتحف المصري الكبير في مصاف السد العالي، كان حلما فخاطرا فاحتمالا.. ثم أضحى حقيقة لا خيال، الحدث عالمي استثنائي، في لحظات تاريخية، بهذا الزخم والحضور الرسمي الكبير وغير المسبوق من الملوك والرؤساء والزعماء وقادة العالم ورؤساء الحكومات وكبار المسئولين.
في حفل إسطوري تم رسميا افتتاح المتحف المصري أكبر متحف أثري في العالم مخصص للحضارة المصرية القديمة، في موقعه الفريد المرتبط بالأهرامات، يجمع بين الحداثة المعمارية والمضمون العريق، ويمثل نقطة تحول في تاريخ المتاحف العالمية، ويغير خريطة السياحة الثقافية في المنطقة، بأكبر عرض لتاريخ حضارة واحدة في مكان واحد، فكل قطعة تروي فصلًا من فصول مصر القديمة.
ويُجسّد المتحف حدثًا عالميًا فريدًا، يعكس مكانة مصر كمهـدٍ للحضارة الإنسانية، يُقدَّم للعالم رسالة سلام وتواصل بين الشعوب، ومنارة علمية وثقافية للأجيال، تُبرز عظمة المصريين وقدرتهم على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، يدمج بين الذاكرة الإنسانية وروح الإبداع، فهو ليس مجرد مبنى للعرض أو لتجميع القطع الأثرية إنما بوابة مصر لحضارة المستقبل.
يمثل المتحف مسيرة وطنية امتدت لأكثر من عقدين من الزمان، تضافرت خلالها الجهود الحكومية والدولية، ليخرج هذا الصرح إلى النور كأحد أكبر المشروعات الثقافية في العالم، وأيقونة معمارية وسياحية تليق بمكانة مصر الحضارية.
فقد بدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير في تسعينيات القرن الماضي، وفي 2002 تم وضع حجر الأساس وبدأ البناء في مايو 2005، ومع أحدث يناير 2011 تعطل المشروع، ثم اكتمل تشييد المبنى في 2021، ويُعد أحد أهم وأعظم إنجازات مصر الحديثة؛ فقد أُنشئ ليكون صرحاً حضارياً وثقافياً وترفيهياً عالمياً متكاملاً، والوِجهة الأولى لكل من يهتم بالتراث المصري، كأكبر متحف في العالم يروي قصة تاريخ الحضارة المصرية، بالإضافة إلى مجموعة الملكة حتب حرس أم خوفو مُشيد الهرم الأكبر، ومتحف مراكب الملك خوفو، ومقتنيات منذ عصر ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني.
في عام 2006 استقبل المتحف تمثال رمسيس الثاني بعد نقله من ميدان رمسيس، ويستهل الزائرون بهذا التمثال مع عدد من القطع الضخمة التي تضفي على المدخل هيبة وعراقة التاريخ المصري، وقد تم نقل 778 قطعة أثرية للمتحف من الأقصر تعود لعصور مختلفة، من بينها تمثال كبير للملك أمنحتب الثالث والإله حورس من الجرانيت وقطع الفخار ومجموعة من التوابيت و525 قطعة من المتحف المصري بالتحرير.
ويضم المتحف مجموعة فريدة من الكنوز الأثرية، أبرزها المجموعة الكاملة للملك الذهبي توت عنخ آمون، التي تُعرض لأول مرة كاملة منذ اكتشاف مقبرته في نوفمبر 1922، ويضم كذلك عددًا ضخمًا من المقتنيات، بما يعكس التسلسل الحضاري لمصر عبر آلاف السنين، ويوفر للزائرين تجربة تاريخية وبصرية ومعرفية لا مثيل لها، وبه متحف مركب الشمس، حيث يعرض واحدة من أهم القطع التي تعكس حضارة الفراعنة.
المتحف المصري الكبير، منصة ثقافية وسياحية تجسد عظمة الحضارة المصرية عبر العصور، بتكلفة تجاوزت مليار دولار، ويضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تغطي مختلف فصول التاريخ المصري القديم، ويمثل رحلة عبر الزمن بتقنيات المستقبل، في أضخم مشروع ثقافي في تاريخ مصر الحديث، والذي لم يكن مجرد مناسبة، بل رسالة حضارية وسياحية عالمية توظف التكنولوجيا والفن، وتتيح التقنيات تجربة فريدة للزائر، فيتفاعل مع الملكة نفرتيتي أو يشاهد معركة تاريخية تدور أمامه بتقنيات الهولوجرام، وكأنه عاد آلاف السنين إلى الوراء.
المتحف بوابة المستقبل، وإعلان دخول مصر عصر المتاحف الذكية، فيقدم تجارب تفاعلية بتقنيات الواقع المعزز، بجانب عروض صوتية وبصرية تُعيد التاريخ المصري بطريقة لم تشهدها المنطقة من قبل، ويضم أماكن خاصة بالأنشطة الثقافية والفعاليات مثل متحف للأطفال، مركز تعليمي، قاعات عرض، سينما، مركز للمؤتمرات، والعديد من المناطق التجارية والتي تشمل محال تجارية، كافيتريات ومطاعم، وخدمات متنوعة.
وقد حصل المتحف على عدد من الشهادات الدولية والمحلية المرموقة، ومنها: شهادات الجودة (الأيزو) في مجالات الصحة والسلامة المهنية، والبيئة، وإدارة الجودة، وإدارة المخاطر، والشهادة الذهبية للبناء الأخضر والاستدامة، وجوائز أفضل مشروع في البناء الأخضر، وأفضل نموذج لبناء المنشآت الذكية وضمن أجمل سبعة متاحف في العالم للعام 2024، وقد أطلقت كبرى منصات السفر العالمية برامج حصرية لزيارة المتحف، وجولات خاصة داخله تمثل رحلة وتجربة غير مسبوقة بكل المقاييس.
هذه الملحمة الوطنية لا يكفي الإشارة إليها في كلمات معدودة، فيحتاج استيعابها إلى مجلدت، إنما هي مشاركة لبني وطني في هذا الصرح والإنجاز العالمي غير المسبوق، وتحية وتقدير لكل من فكر وساهم وعمل واجتهد.









