المظاهرات التى لا تهدأ فى إسرائيل وتطالب حكومة نتنياهو باستقالتها، والفيديو المسرب للجندى الذى يطلب من الجيش التمرد على قيادته، وفشل الجيش فى تحقيق أى من الأهداف التى أعلنها عقب عملية طوفان الأقصي، كلها أحداث تزيد من حالة التصدع التى أصابت المجتمع الإسرائيلى بعد 7 أكتوبر 2023.
تقرير مصور أذاعته إحدى القنوات الإخبارية منذ أيام تحدثت فيه عن احتدام الصراع بين الطوائف المختلفة التى تتشكل منها دولة الاحتلال. التقرير وصف المجتمع الإسرائيلى ببيت العنكبوت. وهو وصف دقيق لدولة تمتلك مقومات القوة، لكنها قابلة للتصدع والاختفاء فى أى وقت. تماماً مثل البيت الذى تبنيه حشرة «العنكبوت»، ثم يزال بحركة بسيطة للغاية. وهناك فرق بين خيط العنكبوت وبين البيت الذى تبنيه الحشرة، فخيط العنكبوت هو أقوى الخيوط على الاطلاق وفقاً لما توصل إليه العلماء، لكن القرآن الكريم – وهذا سبب إعجازه – قال «وإنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت» ولم يقل خيط العنكبوت. وإسرائيل دولة تعتبر نفسها قوية ومتقدمة تكنولوجيا، وتمتلك ترسانة من الأسلحة الحديثة، وتتمتع بدعم أمريكى لا محدود، ورغم ذلك فهى كالعنكبوت.. بنت دولة قابلة للزوال فى أى وقت.
إسرائيل تشهد لأول مرة صراعات داخلية وضغوطاً خارجية لم تشهدها منذ تأسيسها: أولها تزايد حالات الهجرة العكسية وعودة اكثر من نصف مليون يهودى إلى موطنهم الأصلى فى أوروبا منذ عملية طوفان الأقصي، وهو أمر يثير مخاوف المسئولين من تعرض البنية الديموجرافية للسكان للخطر ويهدد الاستقرار الأمنى داخل الدولة. ثم جاءت قضية تجنيد اليهود المتدينين «الحريديم» الذين يرفضون مطلقاً الخدمة العسكرية لتثير أزمة سياسية جديدة، وتزيد حدة الصراع بين الطوائف اليهودية داخل إسرائيل، وتحدث انشقاقاً كبيراً داخل المجتمع الإسرائيلي، علما بأن هذه الطائفة – كما يوضحها المتخصصون فى الشأن الإسرائيلى – يبلغ عددها حوالى مليون و200 ألف نسمة، تمثل 17٪ من المجتمع اليهودي، وتنمو بنسبة 4٪ سنوياً.
أيضاً هناك تصاعد واضح لحركة «ناطورى كارتا « التى اشتهرت بمواقفها الرافضة لكل ما تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين، وتؤيد حق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة.
ليست الضغوط الخارجية التى تهدد بتصدع إسرائيل بأقل من الضغوط الداخلية، فالتغير الهائل الذى تشهده نظرة العالم لإسرائيل منذ بداية عدوانها على غزة، لم يحدث منذ عام 1948، واتهام إسرائيل من قبل أكبر سلطة قضائية فى العالم «محكمة العدل الدولية» بشن حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني، واعتبار رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو ووزير دفاعه مجرمى حرب من قبل المحكمة الجنائية الدولية، والاعتراف المتتالى بحق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة من الدول وخاصة الأوروبية، وزيادة قناعة العالم بحل الدولتين، كل هذا لم يحدث منذ إعلان الدولة الفلسطينية فى نوفمبر 1988، ولم يكن متوقعاً حدوثه قبل طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر الماضي.