يمثل افتتاح المتحف المصرى الكبير لحظة فارقة فى التاريخ الاقتصادى والثقافى لمصر. فالمتحف، الذى يقف شامخًا على بوابة الأهرامات، ليس مجرد صرح أثرى أو مشروع حضارى ضخم، بل حجر زاوية فى إستراتيجية اقتصادية شاملة تستهدف إعادة موضع مصر على خريطة السياحة العالمية ورفع مساهمة القطاع فى الناتج المحلى الإجمالى إلى مستويات غير مسبوقة. لقد أصبح المتحف رمزًا لتحول نوعى فى التفكير التنموي؛ فمصر لم تعد تتعامل مع تراثها كـ «مخزون تاريخى» ثابت، بل كـ «أصل اقتصادى منتج» فوفقًا للبيانات الرسمية، ارتفعت مساهمة السياحة إلى 3.7 ٪ من الناتج المحلى فى السنة المالية 2024/2025، مقارنة بـ2.4 ٪ فقط عام 2021/2022، كما بلغت إيرادات السياحة 14.4 مليار دولار فى 2023/2024، بزيادة تفوق 34 ٪، وبلغ عدد الزائرين نحو 14.9 مليون سائح، فى مسار صاعد يضع مصر بين أبرز الأسواق الناشئة فى السياحة الثقافية. هذا الأداء القوى ليس صدفة؛ فالدولة تدرك أهمية هذا القطاع الحيوى وتخطط لزيادة الاستثمارات فى السياحة والآثار إلى 116 مليار جنيه (نحو 2.4 مليار دولار) بحلول 2025/2026، بزيادة 60 ٪ عن العام السابق. هذه ليست نفقات ترفيهية، بل استثمارات رأسمالية فى المستقبل، تخلق فرص عمل وتدعم استدامة النمو. المتحف الكبير يُعيد تعريف المنتج السياحى المصرى، ويُنقله من سياحة الشواطئ التقليدية إلى سياحة القيمة المضافة، حيث الإنفاق الأعلى والاهتمام بالثقافة والتاريخ. وجوده على مقربة من الأهرامات يتيح حزمة سياحية متكاملة تمتد من القاهرة إلى الجيزة، ما يزيد مدة الإقامة ومتوسط إنفاق الفرد، وهو ما تسعى إليه الحكومة للوصول إلى 18 مليون سائح بحلول نهاية 2025، لكن القيمة الحقيقية للمتحف لا تكمن فى مبيعات التذاكر أو الأرقام الرسمية، بل فى «تأثيره المضاعف» على الاقتصاد الكلى. فكل دولار يُنفق داخله يخلق إنفاقًا إضافيًا فى قطاعات أخرى: الفنادق، المطاعم، النقل، المتاجر، الصناعات الحرفية. اليوم، يدعم القطاع نحو 2.7 مليون وظيفة، وأى زيادة فى أعداد الزوار أو فى متوسط الإنفاق تُترجم مباشرة إلى تحسن فى دخول الأسر وارتفاع فى الإيرادات الضريبية وتدفق للعملة الصعبة. ورغم الزخم، تبقى التحديات قائمة. فلكى يتحول هذا المشروع إلى قاطرة تنمية مستدامة، يجب التركيز على أربعة محاور رئيسية: تعظيم القيمة للزائر عبر تحسين الخدمات وتجربة الضيافة. التكامل الجغرافى بين المتحف وبقية المقاصد التاريخية والسياحية. رفع جودة البنية التحتية والخدمات الرقمية لضمان تجربة متكاملة. تنويع الأسواق السياحية لتقليل الاعتماد على مناطق محددة ومواجهة التقلبات العالمية. إن المتحف المصرى الكبير ليس مجرد معبد للآثار، بل مؤسسة اقتصادية ثقافية قادرة على إعادة صياغة العلاقة بين الهوية الوطنية والتنمية المستدامة. فبالحب – لا بالإدارة البيروقراطية – تُبنى الأمم، وبالرؤية والإصرار يمكن تحويل هذا الصرح إلى أداة اقتصادية تولّد النمو وتُعيد لمصر مكانتها التى تستحقها على خريطة العالم. وأخيرا الف مبروك لمصر والعالم افتتاح المتحف وألف تحية للقائمين على تنظيم وإخراج حفل افتتاحه.









