أخطر ما يواجه العالم الآن.. هو التأثير البالغ للأسلحة الخفية للجيل الرابع والخامس من الحروب.. وأقول الخفية لانها ليست طائرات ولا صواريخ.. ولا قنابل ذكية.. وإنما أسلحة تغييب الوعى وطمس الهوية وتفكيك ثقافة وأخلاق المجتمع.. ورغم أننا تحدثنا كثيرًا عن أسلحة الجيل الرابع والخامس من الحروب وأنها تعتمد على وسائل الإعلام المختلفة من مواقع تواصل وسوشيال ميديا وفضائيات مأجورة وبرامج موجهة وصحف ذات أهداف خاصة وتمويلات خفية.. وتعتمد أيضا على نخب تروج لما يضرب الهوية ويفكك النسيج المجتمعى المترابط.. وقد اندهشت وأنا أتابع محاضرة لخبير تنمية بشرية.. أو بمعنى أدق خبير تنفيذ أيديولوجيات خطيرة وهو يعطى محاضرة لمجموعة من المتابعين فى مختلف الأعمار بإحدى المحطات الأجنبية.. ولا أدرى كيف تم تسريب هذه المحاضرة أو الجزء البسيط منها وكان تحت عنوان «كيف تفسد المجتمع».. وكان مضمونها بايجاز أن هدم أى مجتمع يستغرق من 15إلى 20 عامًا وعندما سئل لماذا 15 إلى 20 عامًا هو عمر الجيل الذى يمكن أن يغير هوية المجتمع سلبًا أو إيجابًا فإذا أردت أن تبنى مجتمعًا فذلك يكون عن طريق جيل كامل ينشأ على ما تريد.. وإذا أردت أن تهدم مجتمعًا أيضا عليك أن تربى جيلاً كاملاً من 15 إلى 20 عامًا.. واستطرد فى محاضرته أن أهم عوامل افساد المجتمع.. «تفكيك أخلاقه وهدم قيمه.. والتشكيك فى قيادته.. وشغل شبابه بتوافه الأمور وابعادهم عن أساسيات البناء والتقدم».. وقال حتى ننفذ ذلك.. ونرى ثمار ما نزرع يستغرق ذلك من 15 إلى 20 عامًا.. محاضرة خطيرة وطويلة.. وكان مثار دهشتى هذا النوع من البشر الذى يستغل علمه وثقافته وتنويره وفكره ليس فى بناء الأمم ورفعة الأوطان وتقدم البشرية.. وإنما يخطط لهدم الآخر.. وافساد مجتمعات وتدمير أمم.. وكيف يشغل هؤلاء أنفسهم ويسخرون امكاناتهم وينفقون الملايين بل والمليارات لإفساد مجتمعات وتفكيك أوطان واسقاط دول وبأيدى ابنائها.
> > >
استدعت هذه المحاولات المستميتة من قوى الشر لاسقاط وافساد المجتمعات.. الهجمة الشرسة لأفلام المقاولات والعرى والفتى أبوسنجة وقرن الغزال ومسلسلات الحرق والسطو والبلطجة التى ملأت الساحة خلال السنوات من أواخر التسعينيات إلى 2011 والتى كسرت بقوة لظواهر غريبة عن المجتمع.. ودخل مجال الانتاج السينمائى تجار الفشة والكرشة والحديد والخشب وبدأنا نشاهد البطل الذى يروع الشارع بالسنج والقتل والحرق.. والراقصة التى تصبح سيدة مجتمع ومقدمة برامج وتصبح من نجوم الصف الأول ويشار إليها بالبنان.. وخلال فترة وجيزة صار الفتى أبوسنجة وقرن الغزال ومسلسلات البلطجية وحرق البشر فى قلب الحارة وأمام الجميع.. يصبح هذا الفتى هو النموذج والقدوة للشباب.. وما كان يصور فى مشاهد الأفلام والمسلسلات من قتل وحرق وقطع رقاب الخصوم على الملأ والناس تصفق صار يقلده الكثير من الشباب فى واقع الحياة.. وبدلاً من الأفلام الهادفة التى قدمت رسالة اجتماعية وتبنت قضايا جوهرية وغيرت قوانين كاملة مثل «أريد حلاً».. و»كلمة شرف» و»أفواه وأرانب».. رأينا أفلام الدخلاء الذين أفسدوا قيم واخلاقيات المجتمع بأفلام ومسلسلات الفتى الطائش الذى ضرب أخلاق وقيم المجتمع فى مقتل.
> > >
من هنا فإن بناء الوعى الوطني.. وتوعية الشباب والنشء بمخاطر أسلحة طمس الهوية.. وضرب ثوابت وقيم المجتمع.. والحذر كل الحذر من خطورة ما يروج عبر وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي.. وتغيير هوية المجتمع وتغييب الوعى لتمرير ثقافات وهويات أخرى غير الهوية وقيم غير القيم وخلق جيل كامل بلا هوية ولا ثوابت ومن ثم يمكن أن يكون العالم المراد الوصول إليه.. عالم لا هوية ولا انتماء إلا الانتماء للثقافة الجديدة والهوية الجديدة.
> > >
إن وعى الشعوب هو الذى يحميها من مطامع ومخططات قوى الشر التى تتربص بالبلاد.. وتنتهز أى فرصة للانقضاض على أمن واستقرار البلاد.









