لا أعتقد أن أحدا منا لم تظهر أمامه إعلانات الحصول على دورات تدريبية لإعداد الصحفى والإعلامى المحترف بل وتعيينه فى صحيفة كذا أو موقع كذا وقناة كذا بعد حصوله على الدورة التى يدفع فيها آلاف الجنيهات لجهة غير معلومة بل هى بالضرورة تمارس النصب والاحتيال سواء لإعداد الصحفى فى مجرد دورة أو كورس مدته أسبوع أو أكثر أو حتى أونلاين أو فقط مقابل دفع الاشتراك وكفى .. والمزايا كثيرة منها الحصول على كارنيه جريدة كذا التى لايعرفها ولا يراها أحد أو موقع كذا الوهمى..
وبالطبع لم يتوقف الأمر على منح الدورات التدريبية فتجاوز الأمر إلى منح الدكتوراه – نعم الدكتوراه وكله بثمنه- وبالطبع مادامت الدكتوراه يمكن منحها من كيانات بير السلم الوهمية فهى أيضا تمنح الماجستير ولقب السفير ولقب المستشار وكله بثمنه أيضا..
الأمر بكل بساطة يكشف عن ظاهرة تمكنت من المجتمع بقوة وهى ظاهرة انتشار «الفهلوة» لتصبح هى البديل الآمن للنصب الصريح بمعنى أنك يمكن أن تدرس سنوات طوال وتتخصص فى علم ما لسنوات أخرى ثم تخرج لتطبق ما تعلمت وما تخصصت فيه لتفاجأ أنه لامكان لك لأن الساحة مليئة بالبدائل ممن يجيدون «الفهلوة» .. ونمشيها «فهلوة» ليصبح «الفهلوى افندى» هو سيد الموقف.
فى الوسط الصحفى مثلا هناك صحف قومية وصحف مستقلة وصحف حزبية وهى مليئة بالكفاءات والقامات القادرة على صنع صحافة مشرفة وراقية .. حتى ظهرت صحافة بير السلم – صحفا ومواقع وفضائيات أيضا – وصل الحال بها أن تطلق على إصداراتها أسماء لصحف كبرى ومعروفة .. ولأن المجال يحتم عليك التخصص وألا تكون الساحة مفتوحة لكل من هب ودب فقد وضعت نقابة الصحفيين شروطا خاصة للالتحاق والقيد بها وكانت عضوية نقابة الصحفيين تتم بعد مقابلات وملفات أعمال وخلافه ..
ولكن الواقع يؤكد أن أصحاب نظرية الفهلوة اخترقوا السياج وصنعوا بضاعتهم التى أتلفها الهوى .. حتى تمكنت وتحولت الآن إلى وسيلة «استرزاق» يحصلون من خلالها على الألاف من الجنيهات من شباب الصحفيين مقابل إلحاقهم بالنقابة دون أدنى مسئولية .. وبالطبع يدخل ضمن هؤلاء من لا علاقة له بالعمل الصحفى ولا بالصحافة من قريب أو من بعيد.. إنها الفهلوة..
ونفس الأمر ينطبق على الإعلام الذى أصبح فى مهب الريح بقنوات بير السلم أيضا التى تبيع الهواء لكل من دفع المقابل ليظهر على الشاشات وجوه غريبة لاتمت للإعلام بصلة..
أما فى العمل العام وهو تطوعى أولا وأخيرا فقد أصبحت «الفهلوة» هى التى تكسب دائما .. فأصبحنا نرى على الساحة وجوها لا علاقة لها بالعمل السياسى ولا الشعبى ولا الخدمى من قريب أو من بعيد ولكنهم يملكون ما يجعلهم كوادر ونجوما رغم أنهم لم يمارسوا العمل العام او السياسة من قريب أو من بعيد ..
ولم يعد الأمر قاصرا على تلك المجالات فقط فأصبحت «الفهلوة» فى كل مكان وكل مجال .. وأصبحت هى التى تحكم الرأى العام وأصبح كل من يمتلك صفحة على الفيسبوك أو إكس خبيرا فى توجيه الرأى العام وتوجيه الاتهامات لمن يشاء والهجوم على رموز الدولة وقياداتها فى وضع لا مثيل له فى العالم أجمع .. وأصبح من يمتلك مجرد صفحة واحدة إعلاميا يحمل درجة الدكتوراه الوهمية أو يحمل لقب المستشار أو السفير وهو فى الواقع لا يحمل شهادة محو الأمية .. وأقرب مثال هو ما يحدث الآن فى العملية الانتخابية التى يتاجر بها هؤلاء المرتزقة ليشوهوا صورة مصر الحقيقية .. ولتصبح السبوبة هى الهدف الأول والأخير لهم ..
الخلاصة أن «الفهلوى أفندى» جعل «الفهلوة» أسلوب حياة .. بل جعلها بكل أسف سمة العصر الحديث.









