رحلة طويلة وعريقة.. عرفها المصريون.. باعتبارهم أول شعوب الدنيا الذين استوطنوا ضفتى النهر العظيم.. النيل.. استقروا من حوله.. ليكون محور حياتهم.. والشريان الحافظ لها.. الملبى لاحتياجاتهم من ماء الشرب إلى الزراعة وعرفوا مياهه طاقة يستخدمونها فى التنقل.. والتعرف على جيرانهم.. واستخدموا مجراه قديماً للوصول إلى أراضى النوبة والصومال والسودان.. واقاموا وشائج قوية مع أبناء القارة الأفريقية.. محققين تلاحم المصير الواحد للأشقاء.
وكما نجح الفراعنة فى هندسة الرى وشق القنوات.. تتابعت الرحلة الطيبة إلى ابتكار الوسائل العلمية لتوصيل مياه النهر للمناطق المسكونة والبيوت بما عرف لدى العامة «بالكوبانية».. التى اقامت نقاط فى المناطق الشعبية تضخ المياه النقية.. وتوزعها مجاناً على الأهالي.. ناهيك عن المعجزة المعمارية سور مجرى العيون الذى كان يرفع إليه مياه النهر.. عبر المجرى لتخدم الفسطاط «مصر القديمة الآن».
وفى هذه الأثناء دخلت طلمبات المياه اليدوية إلى بيوت القادرين تدفع المياه الارتوازية عبر المواسير إلى من يريد.. لتنافس «السقا» حامل القربة.. الذى كان يحصل على المياه من المحطات العمومية إلى زبائنه.. فى الأحياء.. تحت اشراف شيخ المهنة.. ولعب السقا دوراً رئيسياً فى جهود مسئولى المحروسة.. توفير المياه عصب الحياة.. لمن يريد.. وبعدما صعدت هذه الخدمة السلم الحضارى عودة للاستعانة بالجد الأعظم «النيل».. وبدأت الحكومة عمل محطات تحصل على الماء من النهر.. وتتأكد من نقائه وصلاحيته.. تضخها فى شبكات للأحياء ثم توصيلات للبيوت.. واعتمدت بعد الدراسات الجيولوجية على محطات أخري.. تعتمد على المياه الجوفية.. وأوصلتها بشبكات وتفريعات تخدم الهدف المنشود.. وفى قطاع الزراعة.. انتقلت البلاد من الشادوف والطنبور الذى ابتكره الفراعنة لرى الأرض.. إلى مرحلة ماكينات الرى على شواطئ النيل وفروعه.. لتحصل الأراضى على احتياجاتها بسرعة دون اسراف.
والآن مع انشاء السدود والقناطر.. والأهوسة.. وتزايد الاستهلاك بما يتجاوز ما يأتى من منابع النيل.. وفى نفس الوقت حرص الدولة توفير الماء النظيف لتلبية احتياجات الإنسان.. بدأت طفرة كبيرة ذات جناحين.. الأول انشاء سلسلة من محطات تحلية مياه البحر وتوليد الكهرباء فى جميع المناطق الساحلية على شواطئ البحرين المتوسط والأحمر.. والثانى المشروع القومى الطموح.. لتحول إلى الرى الحديث للأراضى من أسلوب الغمر الحالى لتوفير الهدر.. والاستفادة من كل نقطة ماء.. ثم المشروع القومى العملاق لتأهيل الترع والمساقي.. لتعمل بأقصى قدراتها وتوفر المياه عند بدايات الترع.. بالإضافة إلى اعتماد تكنولوجيا المعالجة لمياه الصرف.. لامكانية استخدامها فى الرى واستصلاح أراض جديدة.. تلبى احتياجات البلاد.
وجاءت الدعوة المسئولة للمواطن مستخدم الخدمة.. وافهامه أبعاد القضية.. وضرورة تعاونه ليوفر كل نقطة مياه فى منزله.. واستخدام المعدات وقطع الغيار المتوفرة.. وزادت إلى ذلك الخطة الطموحة لتعميم خدمة الصرف والمياه النقية فى جميع أنحاء الريف.. تحت مظلة المبادرة الرئاسية «حياة كريمة».. وتقوم الدولة بشراكة المجتمع المدنى بسداد أقساط تكلفة التوصيلات المنزلية لمن لا يستطيع.. وبالطبع فان المساندة الشعبية واقناع الناس بقيمة قطرات المياه.. التى تفوق الذهب.. يدعمها توجه القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي.. لتطبيق التكنولوجيا الحديثة فى مجال خدماتها بالتعاون مع الجامعات والمراكز البحثية.. والتصدى لكل مشكلة بالدراسة ثم الحل السليم.. ويجعلنا نأمل بأن تكون السلوكيات السلبية تجاه التعامل مع المياه.. والاتجاه لهدرها فى الشوارع والأماكن العامة.. أحد الملفات التى تحظى بالدراسة المطلوبة.. المساعدة على عبور الأزمة وتلبى الاحتياجات.