كان تأثير الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة سيئا بكل المقاييس الأمنية والأخلاقية والقانونية، ومن ثم فإن توقف هذه الحرب لايعنى طمس آثارها وإنما تفنيد هذه الآثار والتعامل معها وعلاج كل منها حسب خطورتها ووقعها، أيضا فإن إجبار إسرائيل على منع تهجير سكان غزة من خلال المبادرة الأمريكية يثير الشكوك فى نوايا تل أبيب خاصة أنها لا تتوقف عن شن عمليات عسكرية ضد المقاومة الفلسطينية فى أنحاء متفرقة من القطاع وبما يعنى أن غزة تعيش حاليا حالة من الهدوء النسبى قد تنسفه إسرائيل فى أى لحظة مهددة محاولات استعادة السلام وإتاحة الفرصة لإعادة الإعمار وعودة الحياة الطبيعية للقطاع، غير أنه وفى كل الأحوال فإن عقد قمة شرم الشيخ للسلام والدور البارز لمصر فى وقف الحرب يظل الموقف الصلب الوحيد الذى قد يؤدى إلى الكثير من المتغيرات فى المنطقة.
>>>
لقد شكلت حرب الإبادة الإسرائيلية فى غزة ورغم قسوتها- فرصة هائلة- للفلسطينيين والعرب لكشف كذب إدعاءات إسرائيل بأنها واحة الديمقراطية فى المنطقة، وأنها مجرد كيان محتل فرض على أصحاب الأرض من الفلسطينيين الأحكام العرفية ومارس ضدهم الاضطهاد والعنف والقتل والسجن، فضلا عن ارتكاب المجازر وشن الحروب الدموية وغير المبررة، وقد ساهمت هذه الجرائم فى وضع إسرائيل فى قفص الإتهام، لتكيل لها شعوب العالم كافة الاتهامات، مطالبة المجتمع الدولى بإنقاذ الفلسطينيين ووقف الحرب ومعاقبة المتورطين فى القتل والدمار والتجويع، والأهم من ذلك منع تصفية القضية الفلسطينية والإبقاء عليها على قيد الحياة.
>>>
وليست مبالغة فى أن مصر حملت على كاهلها الدفاع عن شعب غزة منذ اللحظات الأولى لشن حرب الابادة الإسرائيلية، و بذلت الدبلوماسية الرئاسية جهوداً جبارة لوقف نزيف الدم ومنع تهجير سكان القطاع، وهنا لابد من استعادة اللقاءات المهمة التى عقدها الرئيس السيسى ومن بينها قادة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وقبرص واليونان وغيرها من الدول الأوروبية، ثم عقد مصر لمؤتمر القاهرة للسلام، كما تواصلت جهود مصر على كافة الأصعدة بالمشاركة فى القمة العربية الإسلامية وفى «القمة المصغرة الأمريكية العربية الإسلامية»، وصولا إلى الإنجاز الرائع باستضافة مصر لقمة شرم الشيخ للسلام وحضور الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وقادة ورؤساء حكومات أكثر من 30 دولة وهيئة دولية للقمة والتى انتهت بوقف إطلاق النار فى غزة ومنع التهجير، لتسجل مصر نصرا جديدا يضاف إلى انتصاراتها السابقة وإلى رصيدها القيم فى المنطقة وجهودها المتميرة لإستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967.
>>>
وحقيقة فإن نجاح قمة شرم الشيخ لم يقتصر على وقف الحرب فى غزة ومنع التهجير فقط، ولكن فى العديد من النقاط التى تحتاج لقراءة متأنية والتى سيكون لها تأثير واضح على المنطقة والقضية الفلسطينية فى المستقبل القريب، ويكفى فى هذا الصدد تصدر مصر للمشهد الإقليمى والدولى والأخذ بمقترحاتها المتعلقة بوقف الحرب، كذلك موافقة الولايات المتحدة على حضور رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ومصافحة الرئيس ترامب له رغم أن الأخير كان قد رفض منح الرئيس عباس تأشيرة الدخول لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، أيضا تبنى ترامب لسياسة ضاغطة على إسرائيل للموافقة على وقف إطلاق النار، وفى نفس الوقت منح الفرصة والوقت لحماس لتنفيذ بنود الإتفاق الخاصة بها، علاوة على استخدام ترامب لغة جديدة يغلفها الرغبة فى إرضاء العرب والتأكيد على ثقته فى إمكانية تحقيق السلام بالمنطقة.
>>>
هذه المشاهد المميزة والمتتالية فى قمة شرم الشيخ انعكست آثارها الإيجابية على القمة المصرية- الأوروبية التى عقدت فى العاصمة البلجيكية بروكسل الأسبوع الماضى، كما ظهرت نتائجها «المضيئة» فى الاستقبال الحافل للرئيس السيسى من قبل قادة دول الاتحاد الأوروبى، ثم فى هذه الاحتفالية الرائعة «مصر وطن السلام» التى نظمت فى العاصمة الإدارية قبل أيام تجسدت فيها عظمة مصر فى الدفاع عن سكان غزة وعن القضية الفلسطينية، كما حمل تكريم الرئيس للطفلة الفلسطينية «ريتاج» رسالة تعنى الفارق الكبير بين مصر السلام والإنسانية والأمن والأمان، وبين دولة الاحتلال التى تقصف المدنيين وتقتل النساء والأطفال.
>>>
أيضا فقد حملت كلمة الرئيس السيسى خلال الاحتفالية العديد من الرسائل والحقائق، لعل أهمها أن مصر «وحدها» تحملت مسئولية إنقاذ أهل غزة ووقف الحرب بالقطاع، وأن القيادة المصرية تحملت ضغوط عديدة واستخدمت كل أشكال الصبر لإنقاذ الفلسطينيين ومنع تهجيرهم إلى سيناء أو أى دولة مجاورة، وأن مصر حرصت وسط هذه الأجواء الملتهبة على التمسك بالسلام وعدم التورط فى أى صراع، وقد عبر الرئيس عن ذلك بقوله «أن القرار مسئولية وأن خطورته تزداد كلما كانت المسئولية كبيرة»، فى إشارة إلى حجم المسئولية الهائلة التى يتحملها كرئيس لأكبر دولة فى المنطقة، وفى رسالة جديدة أنه لن يخضع أبدا للضغوط والمزايدات لأن ما يهمه أولا وأخيرا تحقيق الأمن القومى المصرى و مصلحة مصر والمصريين.









