ذكاء المرشح يبدأ من الاعتماد على أهل الاختصاص
لم تعد الانتخابات البرلمانية مجرد سباق انتخابى يخوضه المرشح اعتماداً على تاريخه الشخصى أو علاقاته الاجتماعية. فقد تغيّر المشهد تماماً، وأصبحت العملية الانتخابية علماً قائماً على التحليل والتخطيط والإدارة الإستراتيجية. واليوم، بات المرشح الذكى هو من يدرك أن النجاح الانتخابى لا يصنعه الحظ أو الشهرة، بل تبنيه فرق متخصصة من أهل الاختصاص تمتلك أدوات العلم والخبرة الميدانية معاً.
فى الماضى، كان الاعتماد على ما يُسمّى بـ «أهل الخبرة» – أى من خاضوا الانتخابات مراراً أو مارسوا العمل العام – أمراً شائعاً ومقبولاً. لكن مع تطور أدوات الإعلام والتواصل الاجتماعى وتزايد وعى الناخبين، أصبحت التجارب القديمة غير كافية.
تبدأ الحملة الانتخابية الناجحة بدراسة ميدانية دقيقة للدائرة الانتخابية: تحليل الفئات العمرية، وتوزيع الأصوات فى الانتخابات السابقة، والاتجاهات الاجتماعية، والمزاج العام فى الشارع. هذه البيانات لا تُجمع بالتخمين، بل عبر فرق متخصصة في بحوث الرأى وتحليل البيانات. ومن خلالها، يمكن رسم خريطة واضحة لمناطق القوة والضعف، ووضع خطة حشد واقعية تستند إلى أرقام.
ثم تأتى مرحلة الحشد والتنظيم، وهى علم آخر قائم بذاته. فالحشد اليوم لا يعتمد فقط على المسيرات أو التجمعات، بل علي التفاعل الذكى عبر المنصات الرقمية، وتوظيف الإعلام المحلى.
من أبرز القضايا التى تواجه أى مرشح حديث ظاهرة المال السياسى، وهى واحدة من أخطر التحديات التى تهدد نزاهة العملية الانتخابية. إلا أن المرشح الواعى لا يواجهها بالشعارات الأخلاقية فقط، بل من خلال بناء شبكة دعم حقيقية تقوم على الإقناع، وعلى الوعى لا المصلحة المؤقتة. فكلما كانت الحملة علمية ومدروسة، قلّت الحاجة إلى الأموال المشبوهة وزادت فرص الفوز المشروع.
لا تتوقف العملية فى إدارة الانتخابات عند الحشد والدعاية فقط، بل تمتد إلي مرحلة إعداد خريطة الدائرة وتنتهى إلى مرحلة الفرز وإعلان النتائج، وهى من أدق المراحل وأكثرها حساسية. فهذه المرحلة تتطلب منهجاً قانونياً واضحاً وفريقاً مدرباً على متابعة الإجراءات لحظة بلحظة، بدءاً من مراقبة اللجان الفرعية مروراً بتوثيق محاضر الفرز، وانتهاءً بآليات الطعن والتظلم أمام الجهات المختصة. إن الإلمام بالقوانين المنظمة للعملية الانتخابية يمنح المرشح حماية قانونية كاملة، ويحول دون ضياع الجهد بسبب خطأ إجرائى أو تقصير تنظيمى.
لأننى أؤمن بأن الانتخابات أصبحت علماً له أصوله وأدواته، فقد خصصت لهذا المجال كتاباً يعد اليوم مرجعاً معتمداً لعشرات المرشحين فى مختلف الدوائر الانتخابية، تناولت فيه أسس بناء الخطاب السياسى، وفنون التواصل الميدانى، وآليات إدارة الأزمات الانتخابية، وأساليب مواجهة المال السياسى، بالإضافة إلى منهجية التعامل القانونى مع عملية الفرز وإدارة النتائج.









