بعد توقف حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة
بعد قمة شرم الشيخ ثم توالى الاختراقات الإسرائيلية لكل بنود الاتفاقية بعد تسلم الأسرى المتبقين واستمرارهم فى الضربات الجوية واغتيال العائلات بالكامل وإصرارهم أن يتم تسليم سلاح المقاومة وعدم الانسحاب أو نزع سلاح المستوطنين وتنظيماتهم الإرهابية فى الضفة وغزة بالمقابل.
> فى أجواء هذه الاختراقات الإسرائيلية والرفض الفلسطينى والعربى لها، تأتى الأهمية المتزايدة لفلسطين وغزة تحديدا للأمن القومى المصرى والعربى وأن الأمر عبر تاريخ هذا الصراع لم يكن أبدا مجرد مواقف سياسية مصرية رافضة أو إبراء للذمة عبر مساعدات شكلية مادية أو كلامية عبر القمم العديدة التى عاشتها قصة الصراع بل هى وبالأساس «وشائج للدم» بين مصر وفلسطين وحماية حقيقية للأمن القومى المصرى والمتمثل فى حماية سيناء ورفض التهجير والتطهير العرقى للفلسطينيين عبر التاريخ وفى الواقع الحالى.
> ترى هل ثمة حقائق تاريخية مؤيدة لهكذا «وشائج» عبر التاريخ الطويل؟
>>>
أولاً: يحدثنا التاريخ أن الترابط التاريخى بين «فلسطين» ومصر، ممتد لأزمان ما قبل التاريخ، لعصور الفراعنة، صحيح أن الإدارات السياسية فى البلدين اختلفت وتغيرت، لكن ظل التواصل والترابط قائماً بين الأرض والتاريخ انطلاقاً من وحدة الخطر الذى كان يهدد كلا البلدين من قبل الغزوات الخارجية، والتى أشهرها ما جاء من الهكسوس القدامى والهكسوس المعاصرين «إسرائيل»، لقد كانت المصلحة واحدة، والأمن واحد ومن ثم المصير تحدد، على أن يكون واحداً، ما يجرى فى مصر ولها، يؤثر على فلسطين ومستقبلها السياسى والإنسانى، والعكس صحيح، ما تتعرض له «فلسطين» سيؤثر حتماً على أمن مصر القومى، هكذا يحدثنا التاريخ الممتد لأكثر من خمسة آلاف عام قبل الميلاد، ولألفى عام بعدها دون دخول فى تفاصيل الرواية التاريخية لتلك السنين الطوال وتجاربها المهمة.
>>>
ثانياً: وإذا ما قفزنا إلى تاريخنا المعاصر، ومع الغزوة الصهيونية لفلسطين والتى بدأت إرهاصاتها فى القرن الثامن عشر الميلادى مع مجيء حملة نابليون بونابرت «1798ــ 1801» وما تلاها من سنين استعمارية عجاف، كانت الأطماع الصهيونية حاضرة مباشرة أو محمولة على روافع بريطانية وفرنسية وأمريكية استعمارية شديدة العداء لتلك اللحمة التاريخية بين «فلسطين» و»مصر»، فلعبت أدوارها الخبيثة فى تفكيكها وفى زرع «الكيان الصهيونى» كالشوكة فى خاصرة الوطن العربى الكبير وبالأخص فى خاصرة مصر وبوابتها الشرقية للعالم ولآسيا.
>>>
ثالثاً: مع ثورة يوليو 1952، بدأت مرحلة جديدة فى مسيرة العلاقات الفلسطينية ــ المصرية مرحلة قائمة على المشاركة الكاملة سياسياً وعسكرياً من قبل مصر فى كافة ملفات القضية، وهى مرحلة اتسمت بالتوحد المصرى الكامل مع فلسطين، وكان «الدم» عنوانها، وبدءاً من العمليات الفدائية التأسيسية لمصر فى قطاع غزة على أيدى الشهيد البطل مصطفى حافظ «ضابط المخابرات المصرية فى قطاع غزة والذى أصدر عنه مركز يافا للدراسات والأبحاث بالقاهرة كتابا قيما» هذا الضابط الشهيد العظيم الذى أتى فى النصف الأول من الخمسينيات، مروراً بعدوان 1956 استمرت المشاركة المصرية لفلسطين حتى حرب الأيام الستة «1967» انتهاء بحرب الاستنزاف «1968ــ 1970»، وإعداد عبدالناصر لجيش مصرى جديد حقق به خلفه «أنور السادات» انتصار أكتوبر 1973، فى كل هذه المراحل عبر الفترة الناصرية «1952ــ1970» كانت فلسطين هى العنوان، وكانت المشاركة بالدم هى الوسيلة والسمة، وكان الخطاب الناصرى المحفز والمناهض للمشروع الصهيونى، هو اللغة الوطنية السائدة والمهيمنة على الشارع العربى.
مصر فى زمن عبدالناصر، وتحديداً خلال الفترة «1956ــ 1967»، نظرت إلى فلسطين وما يجرى فيها كقضية أمن قومى، تؤثر على الاقتصاد والسياسة والثقافة، تأثيراً مباشراً، فلا تنمية حقيقية، أو تغيرات اجتماعية جذرية يمكن أن تحدث فى البلاد دونما موقف حازم ومباشر من «العدو الصهيونى».
>>>
رابعاً: لقد جرت تحت النهر «الذى هو هنا فلسطين» مياه كثيرة بعد وفاة عبدالناصر عام «1970»، ولكن ظل الاهتمام المصرى بوشائج الدم التى تربط البلدين قائما ومستمرا رغم ألاعيب السياسة ومؤامراتها الخبيثة.. وكان موقف الشعب ونخبته المثقفة وعلماءه وأحزابه الوطنية وجمعياته الأهلية، كان موقفاً ضميرياً بامتياز، كان التطبيع على طول الخط واستطاع رغم الضغوط أن تظل فلسطين حاضرة وبقوة من خلال فاعليات وأنشطة، ودعم غير محدود للانتفاضتين الأولى «1988»، والثانية «2000»، ومن خلال التواصل الإنسانى والسياسى مع كل ألوان طيف المقاومة العربية سواء فى فلسطين أو فى لبنان خاصة بعد حرب طوفان الأقصى التى بدأت فى 2023.
>>>
خامساً: بعدما سمى بالربيع العربى والذى يحلو للبعض بتسميته بـ»الربيع العبرى» تراجعت نسبياً المواقف والسياسات المساندة للقضية الفلسطينية فى مصر ولكن ورغم هذا التراجع الذى لم يستفد منه سوى العدو الصهيونى، وبقايا صناع خيارات التسوية البائسة التى لا تأتى أبدا ويخرقها العدو.. ظلت القضية، حية فى الضمير الشعبى، وخلال السنوات الماضية أعادت مصر القضية الفلسطينية إلى المقدمة، وكانت سببًا فى حمايتها من خلال الثوابت التى أعلنتها القيادة المصرية برفض التهجير والتصفية، ولوا هذا الموقف المصرى لتغير مصير القضية تمامًا. ورغم كل التحديات علاقة مصر بفلسطين حية!! لأن فلسطين بحكم الجغرافيا والتاريخ والدم قضية مصرية بامتياز.. قضية «وشائج الدم».
 
		 
		
 
  
 







