مازال شهر أكتوبر الحالي الذي يوافق الاحتفال بالعيد الثاني والخمسين لنصر أكتوبر العظيم يقدم المزيد من الانتصارات التي تستحق أن نجمعها تحت شعار واحد هو «أينما توجد مصر.. يوجد العالم».
في الأسبوع الماضي جاء العالم إلي مصر ممثلا في قادة وزعماء وممثلي أكثر من عشرين دولة مؤثرة من مختلف قارات العالم، يتقدمهم الرئيس الأمريكي ترامب ليشهدوا توقيع «إعلان ترامب» لوقف الحرب في غزة وإعادة اعمارها وذلك في قمة شرم الشيخ للسلام.
أمــس الاربعـاء انتقلت مصر ممثلة في الرئيس السيسى إلي أوروبا فاستعد قادة وزعماء سبع وعشرين دولة أوربية لاستقبالها في بروكسل عاصمة بلجيكا والاتحاد الأوروبي، في أول قمة من نوعها في تاريخ العلاقات المصرية الأوروبية تنعقد اليوم لبحث تعزيز وتطوير الشراكة الاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي التي سبق توقيع اتفاقيتها بالقاهرة في مارس من العام الماضي.
الحدثان القمة يمثلان ركنا أساسيا من أركان السياسة الخارجية المصرية وهو العمل من أجل السلام والتنمية مع كل الأطراف المؤثرة في العالم.
وتواتر الحدثين زمنيا بين أسبوعين متتالين يكشف عن العلاقة الوثيقة بينهما.
إن العلاقات بين مصر وأوروبا دولا أو كيانات قديمة وراسخة ورغم تقلبها في فترات من التاريخ إلا أنها صمدت في مواجهة التحديات ونجحت في تجاوزها.
ورسوخ هذه العلاقات أمر طبيعي فأوروبا تقع علي الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط ومصر علي ضفته الجنوبية وقناة السويس التي تقع في الأراضي المصرية تمثل أحد شرايين الحياة الأوروبية التي يصعب الاستغناء عنها في التواصل بين شمال العالم وجنوبه ونقل الغذاء والطاقة وغيرها في المنتجات.
وقد كشفت حرب الابادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية علي مدي العامين الماضيين للشارع الأوروبي بصفة عامة والعديد من حكوماته بصفة خاصة أن تأييد إسرائيل ودعمها المطلق هو انحياز للجانب الخطأ من التاريخ ويحمل الضمير الأوروبي أوزارا تتصادم مع قيم الحضارة الأوربية.
لقد اكتشف الكثيرون في أوروبا أنه كما أدانت شعوب وحكومات القارة ما جري لليهود علي أرضهم خلال الحرب العالمية الثانية من ابادة فإن الانصاف يقتضي إدانة مماثلة لما ترتكبه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني من ابادة وجرائم ضد الإنسانية بأسلحة غربية.
ولهذا وجدنا الشارع الأوروبي في كل دول القارة تقريبا يقف ضد ما ترتكبه إسرائيل بصورة مثلت ضغطا غير مسبوق علي حكوماته التي تزود إسرائيل بالسلاح الذي ترتكب به المجازر ضد الفلسطينيين وأدي هذا الضغط إلي أن تقود عدد من هذه الحكومات أكبر موجة من الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية خلال دورة الجمعية العامة الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي.
ورأينا في قمة شرم الشيخ للسلام قادة وزعماء أكبر هذه الدول.. بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأسبانيا في مقدمة شهود توقيع إعلان ترامب للسلام في غزة ووعود بأن تتصدر دولهم الحضور في المؤتمر الذي دعت إليه مصر ويعقد علي أرضها الشهر القادم لإعادة اعمار غزة.
إن قمة مصر والاتحاد الأوروبي اليوم فرصة لاستثمار هذا الزخم ليس فقط في دفع وتعزيز خطوات تنفيذ إعلان وخطة ترامب في غزة علي الأرض بل في توسيع الجهود المشتركة من أجل السلام في كل القضايا التي تعوق الاستقرار والتنمية علي ضفتي البحر المتوسط شرقه وجنوبه خاصة.
إن تعبير «الشراكة» يحمل في مدلوله الندية في العلاقات وعدم التعارض في الأهداف وهذا يدخل في نطاق وصف هذه الشراكة بأنها استراتيجية أي أنها ليست فقط شراكة دائمة غير مؤقتة بل أيضا تنطوي علي توجهات رئيسية متفق عليها لمصلحة الطرفين علي قدم المساواة.
إن مصر تجلس مع أوروبا اليوم وفي رصيدها الكثير من الجهود السياسية والدبلوماسية الهائلة التي بذلتها وتبذلها كل يوم من أجل ترسيخ مبدأ فض وتسوية النزاعات بالطرق السلمية لتحقيق الاستقرار الاقليمي في الشرق الأوسط الذي بدونه لا يكتمل أمن أوروبا واستقرارها.
مصر تجلس مع أوروبا اليوم وفي رصيدها موقف تاريخي.. فكما رفضت وترفض أن تكون بوابة لتهجير الفلسطينيين خارج أرضهم رفضت وترفض أن تكون بوابة للهجرات غير الشرعية التي تهدد استقرار المجتمعات الأوروبية وأمنها.
أكثر من ذلك أن استيعاب مصر لنحو عشرة ملايين من الفارين من الصراعات العسكرية من دول الجوار العربية.. سوريا وليبيا والسودان وغيرها علي أرضها، قد خفف عن أوروبا أعباء هائلة فيما لو اتجهت هجراتهم اضطرارا إليها.
وتحملت مصر خسائر بمليارات الدولارات نتيجية تأثر قناة السويس بانعدام أمن الملاحة فيها نتيجة الحرب الإسرائيلية في غزة.
من هنا فإن لأوروبا مصلحة كبري في الحفاظ علي مصر قوية قادرة مزدهرة بتقديم كل الدعم لجهودها من أجل السلام والاستقرار الإقليمي ليس في القضية الفلسطينية وحدها بل في قضايا سوريا وليبيا والعراق واليمن وغيرها.
ولأوروبا مصلحة كبري في دعم الاقتصاد المصري بضخ أكبر قدر من الاستثمارات في مشروعات إنتاجية مشتركة باعتبار مصر بوابة أوروبا للأسواق الإفريقية بعيدا عن الرسوم الجمركية الأمريكية المرتفعة.
ومصر بما بذلته وتبذله من جهود مشهودة لتحسين البيئة السياحية والأثرية بمشروعات البنية التحتية والمتخفية أصبحت وجهة تنافسية أمام السياحة الأوروبية.
ولعل من المصادفات ذات المغزي أن تنعقد قمة الشراكة الاستراتيجية الأولي بين مصر والاتحاد الأوروبي مع الشروع في تنفيذ الربط الكهربائي بين مصر وأوروبا لأول مرة، لتصبح مصر مصدر النور والطاقة لأوروبا والعكس أيضا.








