لم أتخيل أننى سأرى يوماً فيلماً عن التدخين ومضاره من خلال رؤية مخرج مكسيكى عن خمسة إخوة يعيشون مع جدتهم فى خوف من الغد فيصبح التدخين هدفاً وحلاً لهم، ويتحول إلى شيطان لا يستطيعون البعد عنه فى فيلم يحمل اسم «الشيطان يدخن، ويحفظ أعواد الثقاب المحترقة فى نفس العلبة» عرض ضمن قائمة الاختيار الرسمى للمهرجان التى تضم أفلاماً مهمة ونادرة ومتنوعة.
مساء الغد -الجمعة -توزّع جوائز مهرجان الجونة السينمائى فى حفل ختام دورته الثامنة بعد أيام امتلأت بالمشاهدات لمجموعة من أهم أفلام العالم، وبينها الأفلام التى حصدت جوائز المهرجانات الكبرى فى العالم مثل فيلم المخرج الإيرانى جعفر بناهى «حادث بسيط» الحاصل على ذهبية مهرجان كان هذا العام، والذى تدور قصته عن لقاء يجمع بين اثنين بعد سنوات من السجن ليخرج كل ما اختفى من حياتهما وليتضح أن الماضى لم يمت، ،عدد أفلام المهرجان تجاوزالثمانين فيلما بين أفلام روائية طويلة، وأفلام وثائقية طويلة أيضاً، وأفلام قصيرة، واختيار رسمى خارج المسابقة «وبه ثلاثة أفلام مصرية» ،وأفلام تحت اسماء جديدة مثل «سينما من أجل الإنسانية» التى ضمت عشرة أفلام من بين أفلام المسابقات الثلاثة، وأيضاً مسابقة «نجمة الجونة الخضراء» وأربعة أفلام مختارة، إلى جانب البرنامج الخاص للتكريمات وله ثلاثة أفرع هى «نافذة على فلسطين» والمكون من ثمانية أفلام، وعروض خاصة لفيلمين الأول عن التغيرالمناخى فى البحار والمحيطات للعالم ديڤيدأتنبورو والثانى عن سينما شريف عرفة أما برنامج «مئوية يوسف شاهين» فقد عرض فيه خمسة أفلام من تونس والمغرب ولبنان وفيلم واحد لشاهين.
وقطار محطة مصر
لعل من أذكى مشاهد التكريم هو القطار الذى تمت إقامته بتفاصيله وإضاءته فى مكان مخصص لهذا فى بداية منطقة البلازا التى يقام فيها كل العروض الرسمية والندوات واللقاءات، وهنا أتاح تكريم يوسف شاهين بمناسبة مائة عام على مولده اختيار فيلم «باب الحديد» الذى صور كله تقريباً فى محطة مصر ليكون التيمة الخاصة بالتكريم حيث يجلس الضيف فى كرسى بعربة القطار ليتابع حياة شاهين ومسيرته من خلال مقاطع من أفلامه، وغير هذا فقد أضاف المهرجان معرضا لمقتنيات يسرا فى أفلامها ضمن احتفال بعنوان: «يسرا 50 عاماًً من السينما» أما جائزة إنجاز العمر فقد ذهبت إلى منة شلبى فى حفل الافتتاح، وأضافت الندوات التى أقيمت لكل منهما الكثير من المعلومات لجمهور المهرجان الشغوف بالفن ومسيرة الفنانين، وهو جمهور كبير للغاية يملأ القاعة الكبيرة المفتوحة وكل القاعات التى تقام فيها أنشطة المهرجان، ويملأ أيضاً قاعة العرض الكبرى التى تقام فيها العروض الرسمية مساء.
كل هذه الأفلام مصرية
من المدهش فى هذه الدورة عدد الأفلام المصرية المشاركة فيها، والأكثر إدهاشاً أن أغلبها لمخرجات ومخرجين جدد، وأنها تتنوع بين الروائى والوثائقي، ففى مسابقة الفيلم الروائى الطويل فيلمان هما «كولونيا» إخراج محمد صيام عن العلاقة بين أب وابنه الأصغر قبل ليلة رحيله و«المستعمرة» إخراج محمد رشاد عن شابين يبحثان عن سبب موت الأب، وكلاهما الفيلم الطويل الأول لمخرجه، وفى مسابقة الأفلام الوثائقية نجد فيلم «500 متر» أول أفلام يمنى خطاب ويدور حول علاقة المخرجة بأبيها من البرود إلى الدفء، أما الاختيار الرسمى خارج المسابقات فيقدم ثلاثة أفلام مصرية، الأول هو فيلم الافتتاح «هابيبيرثداي» أول فيلم للمخرجة سارة جوهر «والذى سيمثل مصر فى مسابقة الأوسكار» وفيلم «ولنا فى الخيال» أول أفلام المخرجة سارة رزيق، وأخيراً فيلم «السادة الأفاضل» للمخرج كريم الشناوى الذى رأينا له هذا العام فيلم «ضي» ومسلسل «لام شمسية»، ستة أفلام مصرية فى مهرجان واحد رقم كبير أتمنى لو يكتمل بإنتاج قادم ملائم لأن المهرجانات المصرية كانت تشكو دائماً من عدم وجود أفلام مصرية تنافس الأفلام الأجنبية التى تعرضها.
ضع روحك على يدك وامشى
عن المجتمع اللبنانى بعد حروب متعددة يطرح فيلم «حكايات الأرض والجريمة» للمخرج عباس فاضل قصص عديدة للبشر فى مواجهة تحديات داخلية وخارجية ورؤى ترفض أن يستمر هذا ورغبة الناس والمجتمع اللبنانى فى اعادة لبنان إلى مسيرته كوطن للأمن والأمان للجميع، وفى فيلم بعنوان «أورويل 2+2=5» وهو فيلم أمريكى وفرنسى وبريطاني، يقدم مخرجه «راوؤل بيك» ثروة من الڤيديوهات والمقاطع السياسية الخاصة بالرؤساء الأمريكيين، خاصة ترامب، مع مقاطع من أرشيف الكاتب البريطانى الشهير جورج أورويل وروايته الشهيرة «1948» والذى قدم فيها مصطلحات جديدة مثل الفكر الشمولى والاستبدادى والتحذير من غياب العدالة الاجتماعية ورفض الحرب الباردة وغيرها حيث قام مخرج الفيلم بقراءة جديدة لهذه الرواية القديمة التى سبقت زمنها معتمداً على رؤيته للعالم اليوم وما به من ظلم وافتراء واستبداد بالقوة مع فقرات من خطابات السياسيين كما يفعل ترامب الآن وكما فعل أمثاله فى العالم، وكما يفعل النتن ياهو فى غزة، أما فيلم «ضع روحك على يدك وامشي» فهو وثائقى عن فاطمة حسونة، الصحفية الفلسطينية التى عرف العالم قصتها العام قبل الماضى من خلال المخرجة الإيرانية الفرنسية «سبييدة فارس»، التى بدأت الحوار مع فاطمة بعد أن عرفت برقم هاتفها، وقررت أن تستمر فى المعرفة مع تسجيل ما يحدث فى غزة هاتفياً، واستطاعت أن تقيم علاقة طيبة مع فاطمة التى حكت لها كل ما يحدث لها ولعائلتها والجيران، والحياة تحت الحصار والعدوان الدائم، وظلت فاطمة تحكى بكل مشاعرها وتشرح كيف نجت من غارة قصفت بيوتاًً حولها حتى أكملت المخرجة الفيلم، وحين نشر خبر فى الصحف الفرنسية بان مهرجان كان سيعرض الفيلم فى دورته القادمة القريبة، قتلت فاطمة وعائلتها فى غارة جوية فى اليوم التالى لنشر الخبر، لكن بعد أن سجل الفيلم ما حدث للعالم كله.









