١٦ فيلماً تحمل اسمه.. وثلاثة مسلسلات إذاعية وتليفزيونية
يظل الفنان الكبير إسماعيل يس «ظاهرة فنية سينمائية» لن تتكرر فى تاريخ السينما الكوميدية، وهو بحق نجم نجوم الكوميديا فى القرن العشرين، وبالرغم من رحيله منذ أكثر من نصف قرن إلا أننا لا نمل من مشاهدة أفلامه، والتى شاهدناها عشرات وعشرات المرات، إسماعيل يس علامة بارزة وهامة فى تيار السينما الكوميدية ، فقد تربع على عرش الكوميديا بخفة ظله وابتسامته وأفيهاته وأدائه، وبالرغم أنه لم يكن وسيماً إلا أنه إستطاع ان يجذب إليه الجمهور المصرى والعربي، حتى أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان فى زيارة لإحدى الدول العربية، وفوجئ بأحد مواطنى هذه الدولة أثناء مرور موكبه يناديه، ويفاجئه بطلبه أن يوصل سلامه للفنان إسماعيل يس .!!
استطاع إسماعيل يس أن يقفز للنجومية فى زمن قياسى وتخطى عدد أفلامه السينمائية ومسرحياته الكوميدية لأكثر من 300 عمل كوميدى بما فيها مسلسلاته التليفزيونية والإذاعية القليلة، وتمكن أن يكون ثنائياً ناجحاً مع الكاتب أبوالسعود الإبيارى الذى كتب له معظم أعماله، كما انضم إليهما المخرج السينمائى فطين عبدالوهاب ليكونا ثلاثياً ناجحاً، حتى أن فطين عبدالوهاب أخرج لإسماعيل يس أكثر من ثلث أفلامه السينمائية والتى حققت أعلى الإيرادات فى تاريخ السينما المصرية فى ذلك الزمن .!!
«مواليد السويس»
ولد إسماعيل يس على نخلة فى 15 سبتمبر 1912 بمدينة السويس لأباً ميسور الحال يمتلك محل صاغة، وكان هوالابن الوحيد فعاش مدللاً فى طفولته الأولى ، ولكن دوام الحال من المحال إذ توفيت أمه وهو ما زال صغيراً، فإضطر الأب أن يتزوج من امرأة أخرى من أجل ابنه، ولكن زوجة الأب لم تهتم بالطفل اسماعيل وأهملته وأمعنت فى ضربه، ثم التحق إسماعيل يس بأحد الكتاتيب لتعلم قراءة القرأن وحفظه، وبعدها التحق بإحدى المدارس الإبتدائية، ولكنه لم يكمل دراسته، وتوقف عندما بلغ سن العشر سنوات بعدما أعلن والده إفلاس محل الصاغة الذى يملكه، وحاول تسديد ديونه فلم يفلح ليدخل السجن تاركاً ابنه الوحيد مع زوجته والتى رفضت أن تنفق عليه، فترك الطفل الصغير مدرسته ونزل سوق العمل هارباً من بطش زوجة أبيه، ولكنه لم يتعلم أى حرفة ليعمل بها فإضطر أن يعمل منادياً بأحد مواقف السيارات، ثم بائع بأحد محلات الأقمشة بعدما أصبح مسئولاً عن نفسه فى سن مبكرة . بعدما هجر اسماعيل يس مرحلة الطفولة، ووصل لسن الشباب وعمره 17 سنة، قرر أن يرحل من مدينة السويس للقاهرة، حيث شعر بأنه سيكون فناناً مرموقاً ومطرباً ليس له منافس، فقد عشق أغانى المطرب الشاب محمد عبدالوهاب، وحفظ جميع أغانيه وأخذ يرددها، ليقرر أن يغنيها ويؤديها فى معقل عبدالوهاب بمدينة القاهرة، وسافر بالفعل للقاهرة، وتوجه لمعهد الموسيقى العربية محاولاً الالتحاق به كى يتعلم أصول الغناء لكنه فشل أن يلتحق بالمعهد، وما لبث أن نفدت نقوده، فذهب لبعض أقاربه ليجد مأوى ومأكل عندهم، لكنهم لم يهتموا به وطالبوه أن يعود لبلده السويس خاصة عندما علموا أنه يريد أن يمتهن الغناء .
«علقة السيدة زينب»
رفض اسماعيل يس العودة للسويس وقرر البقاء فى القاهرة، وعمل صبيا فى أحد المقاهى بشارع محمد على وأقام بالفنادق الصغيرة الشعبية، ومع قلة دخله اضطر لأن يهجر الفندق ويذهب إلى مسجد السيدة زينب ليرقد به، إلا أن العاملين بالمسجد كانوا يطردونه،وظل كذلك حتى فقدت بعض مصابيح الإنارة بالمسجد، فاعتقدوا بأنه اللص، فأمسكوه وأوسعوا فيه ضرباً حتى يعترف أين خبأ المسروقات، ومع بكائه الشديد بأنه مظلوم أعفوا عنه وأطلقوا سبيله .!!
وعندها قرر إسماعيل يس أن يعود لمدينته السويس وينسى الفن والغناء الذى لم يجن منه غير علقة ساخنة، وبالفعل عاد لمدينته وعاش مع جدته – أم والدته – فوالده لم يخرج بعد من سجنه، وخشى أن يعود لزوجة أبيه، ولم تمر سوى أسابيع قليلة حتى قرر أن يعود للقاهرة مرة أخري، فطلب من جدته أن تهبه بعض النقود لتعينه فى الغربة، وبالفعل أعطته الجدة 6 جنيهات لتعينه فى أيامه الأولى بالقاهرة، وبدأ يبحث عن عمل بصالات الرقص حتى تمكن أن يعمل فى بداية الثلاثينات مع الراقصة « الأسطى نوسة « والتى كانت من أشهر راقصات الأفراح الشعبية، ولكن الأجر كان ضعيفاً لا يكفى مصاريفه اليومية!!
«أبوالسعود الإبيارى»
التقى إسماعيل يس بالكاتب الكبير أبوالسعود الإبيارى الذى كان محور تحول حياته والذي شعر بإمكانياته ورأى أن صالة الأسطى نوسة لن يفيد تواجده بها، فدفعه لأن يترك صالة الأسطى نوسة ويذهب لملهى بديعة مصابني، والتى وافقت على ضمه كمنولوجست بفرقتها بعد ترشيح الإبيارى لها، وأخذ إسماعيل يس يلقى المنولوجات من تأليف أبوالسعود الإبيارى الذى إكتشف قدراته الفنية فما لبث أن كونا معاً ثنائياً فنياً شهيراً، وتكون تلك البداية من العمل بالمنولوجات داخل الصالات والملاهي، للعمل فى السينما والمسرح . !!
نجح إسماعيل يس فى صالة بديعة مصابني، وحقق شهرة كبيرة كمنولوجست، وظل يعمل معها لمدة عشر سنوات « 1935 – 1945»، حتى دعته الإذاعة المصرية ليلقى منولوجاته فى محطاتها نظير أربعة جنيهات شاملاً أجر التأليف والتلحين، وكانت منولوجاته من تأليف أبو السعود الإبياري، وبعضها كان إسماعيل يس يلحنها بنفسه، وزادت شهرته بدخوله الإذاعة، وأثناء عمله بالإذاعة وصالة بديعة مصابنى التقى بالمخرج فؤاد الجزايرلى ابن الفنان فوزى الجزايرلى وشقيق الفنانة إحسان الجزايرلي، حيث طلب منه الاشتراك فى فيلم « خلف الحبايب « الذى يلعب بطولته شقيقته وأبوهم، ليقدم إحدى منولوجاته داخل أحداث الفيلم، وبالفعل رحب إسماعيل يس ليكون فيلم « خلف الحبايب « عام 1939 أول ظهور لإسماعيل يس على شاشة السينما.
«السينما تفتح أبوابها»
فى عام 1940 انضم إسماعيل يس لفرقة على الكسار المسرحية فعمل مطرباً وممثلاً ومنولوجست، وتألق تألقاً كبيراً، وفى العام التالى 1941 كان الظهور الثانى لإسماعيل يس فى السينما من خلال فيلم «مصنع الزوجات» بطولة كوكا ومحمود ذوالفقار وإخراج نيازى مصطفي، والذى شهد أول ظهور للفنانة ليلى فوزى وأيضاً الفنان القدير محمد توفيق فى السينما، وفى سنة 1942 شارك فى ثلاثة أفلام دفعة واحدة أشهرها فيلم « على بابا والأربعين حرامى « إخراج توجو مزراحى وبطولة الفنان على الكسار الذى ضمه للمشاركة فى الفيلم مع أغلب أعضاء فرقته المسرحية ، وفيلم « أحب الغلط « بطولة تحية كاريوكا وحسين صدقى .
والفيلم الثالث « نمرة 6 « والذى كان أول عمل سينمائى إخراج المخرج الكبير صلاح ابوسيف والذى صوره فى شهر واحد، والطريف أن ذلك الفيلم لم يعرض فى السينما لأول مرة إلا بعد 50 عاماً، حيث اعترض مدير إستوديو مصر على الفيلم ومنع عرضه فى ذلك الوقت مما أحبط المخرج صلاح ابوسيف الذى كان فى بداية مشواره السينمائي، وجاء عرضه الأول والأخير عام 1991 فى حفل افتتاح المهرجان القومى للسينما المصرية والذى كان يتولى إدارته الكاتب سمير غريب .
«أزهى فترات العمر»
وتظل فترة الخمسينات هى أزهى فترات العمر الفنى لاسماعيل يس، فقد تخطت أفلامه المائة فيلم، بل وصلت إلى 112 فيلماً، وكان متوسط عدد أفلامه 16 فيلماً فى العام، ويعتبر عام 1954 هى السنة الغزيرة الإنتاج فى حياته حيث لعب بطولة 18 فيلماً أشهرها أفلام كدبة أبريل – عفريتة إسماعيل يس – شرف البنت – دستة مناديل – حلاق بغداد – بنات حواء – بحبوح أفندى – انسان غلبان – العاشق المحروم – الحقونى بالمأذون – الستات ما يعرفوش يكدبوا، وأخيراً فيلم الأنسة حنفي، والمفارقة أن ثلثى مجموع افلام اسماعيل يس فى حقبة الخمسينات والتى تصل إلى 80 فيلماً تم تقديمها فى خمس سنوات فقط ما بين 1950 و1954، حيث هبطت مشاركات اسماعيل يس فى السينما ووصلت إلى 32 فيلماً فى السنوات الخمس التالية حتى عام 1959 بمعدل 6 افلام فى العام .
ويعود هذا التراجع إلى إسماعيل يس نفسه حيث إنه فى عام 1954 اتجه للمسرح، وأنشأ فرقته المسرحية « فرقة إسماعيل يس « والتى استمرت حتى عام 1966، وكان حريصاً على أن تعمل الفرقة طوال العام مما جعله يبتعد عن السينما قليلاً، وكانت أولى مسرحياته « حبيبى كوكو « مع تحية كاريوكا عام 1954، لتتوالى عروضه المسرحية منها « الست عايزه كده « مع زينات صدقي، و»سهرة فى الكراكون « مع حسن فايق، و» خميس الحادى عشر « مع زهرة العلا، و» أنا عايزة مليونير « مع درية أحمد والدة الفنانة سهير رمزي، و» جوزى كداب « مع سميحة توفيق، و» حرامى لأول مرة « مع عقيلة رلتب، و» حب وفلوس وجواز « مع عفاف شاكر شقيقة الفنانة شادية .
«ضياع تراثه المسرحى»
وبالرغم من الكم الكبير لمسرحيات إسماعيل يس والتى وصلت إلى ما يقرب من 60 مسرحية، والتى حرص على تسجيلها جميعاً للتليفزيون المصري، إلا أن إهمال البعض فى ماسبيرو وعدم تقدير أهمية هذا الكنز المسرحى تم مسحه بالكامل ولم يتبق سوى مسرحيتين فقط ، إحداهما فصلين من مسرحية «كل الرجالة كده»، بسبب أن الموظف كان ياخذ تلك الشرائط ويمسحها ليضع مكانها احتفالات موضوعات اخرى وغيرها، ومن الملفت أن عناوين تلك المسرحيات تدعو للبهجة والابتسامة تأكيداً أن العرض كوميدي، كما أن تلك العروض المسرحية من أفكار وتأليف الكاتب الكبير أبوالسعود الإبيارى الصديق المقرب لإسماعيل يس ورفيق دربه الفنى .
كان عام 1966 سنة فارقة فى حياته بعد أن أغلق مسرحه، ووضعت الضرائب يدها على أمواله فى البنوك والتى وصلت لأكثر من 300 ألف جنيه والتى كانت تعتبر ثروة كبيرة فى ذلك الزمن، إلى جانب عمارته السكنية الضخمة التى بيعت أمام عينه فى المزاد، كما أن السينما لم تفتح أبوابها كعادتها معه، فاضطر للسفر إلى لبنان ليعمل فى بعض الأفلام التجارية والمسلسلات التليفزيونية منها فيلما « عصابة النساء وكرم الهوي» مع الفنانة صباح، و» فرسان الغرام» مع فهد بلان ومريم فخرالدين، ثم عاد ليغنى منولوجاته بأحد الكازينوهات الليلية.
عاد إسماعيل يس إلى مصر مع بداية فترة السبعينات واشترك فى أخر أفلامه « الرغبة والضياع « بطولة هند رستم ورشدى أباظة ونور الشريف ومحمود المليجى وحياة قنديل، إخراج أحمد ضياء الدين والذى عرض فى أبريل 1972، وهى السنة التى توفى فيها إسماعيل يس، حيث توفى فى 24 مايو1972 إثر أزمة قلبية حادة، وهو لم يكمل عامه الـ 60.
«16 فيلماً بأسمه
تميز الفنان إسماعيل يس عن كل نجوم الكوميديا فى السينما المصرية منذ بدايتها وحتى الآن، إذ ارتبط اسمه بعناوين أفلامه والتى وصلت إلى 16 فيلماً تحمل اسمه، وهو ما يؤكد أنه نجم شباك لا غبار عليه، وأن الجمهور بمجرد أن يجدوا صورته وإسمه على الأفيشات لا ينظرون لبقية أبطال الفيلم، إذ يدخلون وهم مطمئنون لمشاهدة فيلم كوميدى يريح قلوبهم، مما شجع منتجى الأفلام والمخرجين أن يضعوا اسمه كعنوان للفيلم، وبدأ تلك المفارقة المخرج فطين عبدالوهاب فى فيلم « إسماعيل يس فى بيت الأشباح « عام 1951 بالرغم ان أبطاله نجوم شباك الفنان كمال الشناوى وثريا حلمي، وبعدها بثلاث سنوات أعيدت التجربة بفيلم « مغامرات إسماعيل يس « مع شادية إخراج يوسف معلوف، ثم « عفريتة إسماعيل يس « مع كيتي.
«.. وثلاث مسلسلات»
لم يتوقف اسم إسماعيل يس على الأفلام السينمائية بل امتدت للمسلسلات، فقدم ثلاثة مسلسلات باسمه فى فترة الستينات مما يؤكد على أن نجوميته ما زالت ساطعة، ففى الإذاعة قدم مسلسل « خطيبة إسماعيل يس « مع وداد حمدى وعدلى كاسب، وآخر بعنوان « إسماعيل يس فى إذاعة الشرق الأوسط «، أما ثالث تلك الأعمال فكان المسلسل التليفزيونى « إسماعيل يس دكتور « عام 1964 مع محمد رضا وجمالات زايد، وتصل مجموع تلك الأعمال التى تحمل اسمه 19 عملاً ما بين أفلام ومسلسلات كإنجاز لم يتمكن من نجوم اليوم والأمس أن يناله .!!
«زوجات إسماعيل يس»
تزوج الفنان إسماعيل يس ثلاث مرات فى حياته، كانت الأولى من زميلته المنولوجست سعاد وجدي، ولكن لم تستمر الزيجة شهرين، ثم تزوج من الفنانة ثريا حلمى والتى أحبها حباً كبيراً، ولكنهما لم يتفقا فى حياتهما الزوجية فتم الطلاق، فقرر أن لا يتزوج من الوسط الفنى إطلاقاً !! .. وتصادف أن التقى بفتاة تدعى « فوزية» تزوجا وكانت الزيجة الأخيرة له، كما كانت وش السعد عليه، إذ تغيرت أحواله وزادت مشاركاته الفنية، وأنجبت ابنه الوحيد يس إسماعيل يس الذى شارك والده فى طفولته بطولة فيلم إسماعيل يس فى البوليس الحربى !!