تستعد مصر لحدث ثقافى وتاريخى طال انتظاره، هو افتتاح المتحف المصرى الكبير حين تتجه أنظار العالم بأسره صوب الجيزه لمشاهدة أكبر متحف أثرى فى العالم مخصص لحضارة واحدة. حدث يجسد عراقة الماضى وعظمة الحاضر وإشراقة المستقبل، حيث يقف المتحف شامخا على مقربة من أهرامات الجيزة، إحدى عجائب الدنيا السبع، ليتيح رؤية آلاف القطع الأثرية التى تروى حكاية الإنسان المصرى منذ فجر التاريخ، فى إطار مبهر من العمارة الحديثة والتقنيات المتطورة.
ويأتى هذا الافتتاح المرتقب ليعيد تسليط الضوء على الآثار المصرية المنتشرة فى متاحف العالم، ويفتح باب النقاش حول كيفية استعادة ما خرج من أرض مصر ليعرض فى العواصم البعيدة. فالقضية لم تعد مجرد حديث عن الماضي، بل عن هوية وحضارة ينبغى أن تستعيد مكانتها المستحقة على خريطة العالم.
منذ قرنين من الزمان بدأت رحلة خروج كنوز مصر الأثرية إلى الخارج، فى مشهد تختلط فيه الدهشة بالحسرة. فمع اندفاع البعثات الأوروبية إلى وادى النيل فى القرن التاسع عشر، خرجت من باطن الأرض آلاف القطع التى انتهى بها المطاف فى متاحف لندن وباريس وبرلين. آنذاك، كان نظام «القسمة» يسمح للبعثات الأجنبية بالاحتفاظ بنصف ما تكتشفه من آثار، فيما كانت بعض القطع تهدى رسميا إلى ملوك ورؤساء دول، وأخرى تهرّب فى فترات الاضطراب وضعف الرقابة. ومع الاحتلال البريطاني، ازداد النزيف، فغادرت المسلات والمعابد والتوابيت البلاد بحجة «الحفاظ عليها».
تقدر بعض المصادر أن أكثر من مليون قطعة أثرية مصرية توجد حاليا فى أكثر من خمسين متحفا حول العالم، من بينها مائة ألف قطعة فى المتحف البريطانى بلندن، وثمانون ألفا فى متحف برلين، وأكثر من خمسين ألفا فى متحف اللوفر بباريس، فضلا عن مقتنيات لا تقدر بثمن فى متاحف تورينو بإيطاليا، ومترو بوليتان فى نيويورك وبوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية. مسلات وتماثيل ومجوهرات وبرديات صنعتها أيادٍ مصرية فى عصور من الحضارة التى لا نظير لها، لكنها اليوم تزين قاعات بعيدة تنتظر ساعة العودة.
وهنا يبرز اقتراح لا يقل حقا عن عدالته وهو أن تلزَم الدول والمؤسسات التى تحتفظ بآثار مصرية بدفع مقابل مادى سنوى لقاء عرضها لهذه القطع، باعتبارها تراثا مملوكا للشعب المصري، لا يجوز الانتفاع به دون مقابل. هذا المقابل يمكن أن يحسب وفقا لقيمة القطعة التاريخية والفنية، على أن تتزايد القيمة سنويا بنسبة محددة، تماما كما تتزايد حقوق الملكية الفكرية أو عوائد استغلال العلامات التجارية.
إن هذا الإجراء لا يعد مجرد تعويض مادي، بل اعتراف معنوى بحق مصر فى هذه الكنوز التى خرجت من أرضها بطرق غير منصفة.. آن الأوان أن تتحول المطالبة بعودة آثارنا المهاجرة إلى خطة مدروسة وموقف حازم، لا يكتفى بالرجاء.









